الإخبارية السورية: سماع دوي انفجار في مدينة حلب يجري التحقق من طبيعته
لم يعد السؤال داخل دوائر القرار المرتبطة بـحزب الله يدور حول حجم التمويل الإيراني السنوي، بل حول طبيعة العلاقة نفسها، بعد أن بدأت طهران، وفق مصادر سياسية لبنانية وأخرى قريبة من الحزب، الانتقال بهدوء من دور "الممول المفتوح" إلى موقع "مدير الأزمة" الذي يربط المال بالقرار، والدعم بالانضباط، في مرحلة ما بعد الحرب مع إسرائيل.
مصادر مطلعة على قنوات التواصل بين الحزب وطهران تؤكد لـ"إرم نيوز" أن النقاشات الأخيرة لم تتركز على رفع أو خفض الأرقام فقط، بل على إعادة ترتيب الأولويات داخل الحزب، وتحديد ما يمكن لإيران الاستمرار في تمويله، وما يجب تقليصه أو إعادة هيكلته، في ظل ضغوط مالية غير مسبوقة تواجهها طهران نفسها.
تمويل أقل.. وشروط أكثر
تقول مصادر سياسية لبنانية إن إيران أبلغت قيادة حزب الله، خلال اجتماعات غير معلنة جرت في الأسابيع الماضية، بأن مرحلة "الدعم غير المشروط" انتهت عمليًا، وأن أي تمويل إضافي في المرحلة المقبلة سيكون مرتبطًا بقدرة الحزب على ضبط نفقاته، وتخفيف كلفة التزاماته الاجتماعية والخدماتية داخل بيئته.
وبحسب تقديرات متقاطعة حصل عليها "إرم نيوز"، فإن متوسط ما حُوّل للحزب خلال العام الأخير تراوح بين 900 مليون ومليار دولار، وهو رقم يقل عن سقف المطالب التي نقلها الحزب، والتي تجاوزت 1.8 مليار دولار، على خلفية كلفة إعادة الإعمار وتعويض المتضررين وإعادة بناء البنية العسكرية.
مصدر قريب من الحزب يقرّ بأن "المال لم ينقطع، لكنه لم يعد كافيا كما في السابق"، مضيفا أن طهران "تطلب اليوم حسابات أكثر دقة، وأولويات أوضح، وتبريرات تفصيلية لكل بند إنفاق".
إدارة داخلية بدل التفويض المطلق
التحول الأبرز، وفق مصادر من داخل بيئة حزب الله، يتمثل في ازدياد تدخل الجهات الإيرانية في تفاصيل الإدارة الداخلية، من توزيع الموارد إلى تنظيم التعويضات، وصولا إلى إعادة النظر في بعض الهياكل التنظيمية التي وُصفت داخل الاجتماعات بأنها "مرهقة ماليا وغير منتجة سياسيا".
تشير هذه المصادر إلى أن "فيلق القدس" لم يعد يكتفي بتلقي التقارير الدورية، بل بات يطلب "خططا تنفيذية" وجدولة زمنية للصرف، في مقاربة تشبه إلى حد كبير إدارة أزمة طويلة الأمد، لا تمويل جبهة مفتوحة.
هذا التحول، بحسب مصدر سياسي لبناني مطلع، يعكس قناعة إيرانية بأن الحزب دخل مرحلة استنزاف، وأن استمرار النموذج القديم سيؤدي إلى تآكل أكبر في قدرته على الصمود، لا سيما في ظل انكشافه أمام بيئته الاجتماعية.
تعويضات تحت المجهر
ويشكل ملف تعويض المتضررين من الحرب أحد أكثر النقاط حساسية في النقاشات الأخيرة. فوفق أرقام غير رسمية متداولة داخل مؤسسات الحزب الاجتماعية، تضرر ما يزيد على 75 ألف وحدة سكنية بشكل كلي أو جزئي في مناطق الجنوب والضاحية والبقاع، فيما قُدّرت كلفة التعويضات المطلوبة بما يتراوح بين 1.2 و1.5 مليار دولار.
لكن ما صُرف فعليا حتى الآن، بحسب مصادر من بيئة الحزب، لم يتجاوز 35 إلى 40 في المئة من المبالغ الموعودة، مع اعتماد آليات دفع مجزأة، وتأجيل جزء من التعويضات، وإعادة تقييم ملفات كثيرة، بذريعة "التدقيق" و"الأولويات".
أحد المتضررين في الضاحية الجنوبية يقول لـ"إرم نيوز" إن "التعويضات لم تعد كما كانت، لا في سرعتها ولا في قيمتها"، مشيراً إلى أن "الناس بدأت تشعر بأن المرحلة تغيرت، وأن الوعود لم تعد مضمونة".
رسائل إلى القاعدة الشعبية
مصادر سياسية ترى أن هذا التشدد المالي لا ينفصل عن رسائل غير مباشرة تُوجّه إلى القاعدة الشعبية للحزب، مفادها أن المرحلة المقبلة تتطلب "تحملاً جماعيًا" وتخفيف سقف التوقعات، حتى لو انعكس ذلك تراجعًا مؤقتًا في مستوى الرضا داخل البيئة الحاضنة.

وتضيف هذه المصادر أن طهران تبدو مستعدة لتحمّل كلفة تآكل محدود في الشعبية، مقابل الحفاظ على الحزب أداة استراتيجية منضبطة، لا عبئا ماليا متضخما في لحظة إقليمية شديدة التعقيد.
قراءة سياسية أوسع
في هذا السياق، يرى المحلل السياسي اللبناني علي حمادة أن ما يجري "ليس خلافًا بين إيران وحزب الله، بل إعادة تعريف للعلاقة"، معتبرًا أن طهران "لم تعد قادرة، ولا راغبة، في تمويل نموذج ما قبل الحرب".
ويقول حمادة إن إيران "تتعامل اليوم مع الحزب كجزء من إدارة صراع طويل، لا كذراع جاهز للمواجهة المفتوحة"، مشيرا إلى أن ضبط التمويل والتشدد في الإنفاق "يعكسان إدراكا إيرانيا بأن لبنان لم يعد ساحة يمكن تعويض خسائرها بسهولة".
ورغم كل ذلك، تشدد مصادر قريبة من الحزب على أن العلاقة مع طهران ما زالت صلبة، وأن الدعم الاستراتيجي لم يتوقف، لكنها تقرّ في الوقت نفسه بأن الحزب بات مضطرا للتكيف مع معادلة جديدة، عنوانها "مال أقل، إدارة أدق، وقرار أكثر ارتباطا بالحسابات الإقليمية الإيرانية".
وبينما يواصل الحزب محاولاته احتواء التململ داخل بيئته، يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من التحولات الصامتة في طريقة إمساك إيران بأحد أهم أذرعها، تحولات قد لا تظهر دفعة واحدة، لكنها ترسم بوضوح ملامح ما بعد "زمن التمويل المفتوح".