logo
العالم العربي

"اختبار صعب".. العقوبات الأمريكية تعقد توازنات العراق بين واشنطن وطهران

قوات تتبع للحشد الشعبي في العراق

مع فرض واشنطن حزمة عقوبات جديدة على شركات وأفراد عراقيين بتهم تتعلق بتمويل جماعات مسلحة وتهريب أموال لصالح إيران، يجد العراق نفسه أمام اختبار جديد في كيفية الموازنة بين شراكته الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وحماية كيانات محلية تمثل جزءًا من منظومته الاقتصادية والإدارية.

والعقوبات الأخيرة، التي أعلنتها وزارة الخزانة الأمريكية، شملت "شركة المهندس العامة" التابعة للحشد الشعبي، وشركة "بلدنا للاستثمارات الزراعية"، إلى جانب رجل الأعمال علي غلام، والأخوين علي وعقيل مفتن اللذين يمتلكان بنكًا تجاريًا، أحدهما يشغل رئاسة اللجنة الأولمبية العراقية.

أخبار ذات علاقة

عناصر الحشد الشعبي العراقية

العراق يحقق بشأن عقوبات أمريكية استهدفت شركة تابعة للحشد الشعبي

وذكرت الخزانة أن هذه الكيانات "ساعدت النظام الإيراني على التهرب من العقوبات، وشاركت في غسل الأموال وتهريب الأسلحة عبر الأراضي العراقية"، مشيرة إلى أن "كتائب حزب الله" أنشأت شركة المهندس لتكون واجهة لأنشطتها الاقتصادية.

تحقيقات رسمية

في المقابل، أعلنت الحكومة العراقية موقفًا رسميًا غير مسبوق، إذ عبّرت عن أسفها لهذه الإجراءات وعدّتها «سابقة سلبية تتنافى مع روح الصداقة» بين بغداد وواشنطن، فيما وجّه رئيس الوزراء بتشكيل لجنة وطنية عليا لمراجعة القرار الأمريكي، والتأكد من سلامة المعطيات التي بُني عليه، مع ضمان استمرار المشاريع الحيوية وحماية العاملين المدنيين فيها.

بدوره، قال مستشار في رئاسة الوزراء العراقية إن "بغداد تتعامل مع الملف بحذر عالٍ، وهي بانتظار نتائج التحقيقات التي ستجريها اللجنة الوطنية المشكلة حديثًا".

وأضاف المستشار، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لـ"إرم نيوز"، أن "العراق حريص على تلبية متطلبات المجتمع الدولي في مكافحة غسل الأموال ومنع تمويل الإرهاب، لكنه في الوقت نفسه يسعى إلى حماية مصالحه الاقتصادية من أي قرارات غير منسقة"، مشيرًا إلى أن "اللجنة ستراجع حركة العقود الحكومية والمعاملات المالية لضمان الشفافية والامتثال الكامل للقانون".

ولم تقتصر قرارات الخزانة الأمريكية على كيانات الحشد، بل طالت مصرفيين ومسؤولين ماليين اتهمتهم واشنطن باستغلال نفوذهم لتوليد إيرادات لصالح الحرس الثوري الإيراني.

ويُعد علي غلام من أبرز الأسماء المشمولة، إذ قالت الوزارة إنه استخدم شبكة من البنوك العراقية لغسل الأموال، فيما ردّ غلام ببيان رسمي أكد فيه توقف تعاملاته بالدولار منذ عام 2022، وخضوع مؤسساته لتدقيق دولي أثبت سلامة أنشطتها.

معادلة مرتبكة

من جانبه، أوضح الباحث السياسي محمد التميمي أن "العقوبات الأمريكية الأخيرة جاءت في سياق الضغط المالي الذي تمارسه واشنطن منذ أكثر من عامين، لضمان الحد من تدفقات الدولار نحو طهران والفصائل المرتبطة بها".

وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "الحكومة العراقية أمام معادلة مرتبكة؛ فهي مطالبة بالحفاظ على استقرارها المالي والتجاري مع الولايات المتحدة، التي تعد الشريك الاقتصادي الأكبر، وفي الوقت ذاته تحاول عدم التصادم مع قوى داخلية تمتلك نفوذًا سياسيًا وأمنيًا واسعًا".

وبحسب مراقبين، فإن بغداد تميل إلى اعتماد استراتيجية هادئة عبر التعاون الفني والقانوني مع الجانب الأمريكي من خلال التحقيقات المشتركة، لتأكيد أن العراق يتعامل بجدية مع قضايا غسل الأموال، مع حماية الاقتصاد المحلي من تداعيات القرار، من خلال الفصل بين الكيانات المدرجة على العقوبات وبين آلاف الموظفين والمشاريع الخدمية المرتبطة بها.

أخبار ذات علاقة

مسلحون في العراق

الحشد الشعبي يدخل حكومة بغداد في "ورطة".. وواشنطن تلوح بالعقوبات

 ويرى مسؤولون في بغداد أن الإجراءات الأمريكية قد تؤثر مؤقتًا على بعض الأنشطة الاقتصادية، خصوصًا تلك المتصلة بالعقود الحكومية والمصارف المحلية، لكنها لن تمس البنية الأساسية للاقتصاد العراقي، الذي ما زال يعتمد بدرجة كبيرة على الإيرادات النفطية والتحويلات الحكومية.

تراجع العلاقة

بدوره، أوضح رئيس مركز الإعلام في واشنطن نزار حيدر أن "العقوبات الأمريكية الأخيرة تمثل أوضح مؤشرات التراجع في العلاقة بين بغداد وواشنطن، بعد فترة طويلة من التحذيرات التي وجهتها الإدارة الأمريكية للعراق بضرورة فك الارتباط المالي والاقتصادي مع إيران".

وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "إدارة الرئيس الأمريكي الحالية كانت منذ اليوم الأول تطالب الحكومة العراقية بإجراءات ملموسة في مكافحة غسل الأموال ووقف تهريب العملة والنفط الإيراني الذي يُسوّق أحيانًا على أنه نفط عراقي، إلا أن تلك الإجراءات لم تحقق النتائج المطلوبة، ما دفع واشنطن إلى الانتقال من مرحلة التحذير إلى مرحلة العقوبات المباشرة".

وبيّن حيدر أن "الأشهر التسعة الماضية شهدت إشارات متكررة من الجانب الأمريكي بشأن الحاجة إلى إصلاحات مالية وهيكلية، غير أن بغداد لم تتعامل بالجدية الكافية مع هذه التحذيرات، وهو ما جعل العقوبات الأخيرة أمرًا متوقعًا من وجهة النظر الأمريكية".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC