بعد ساعات على إعلان حكومة دمشق ما وصفتها بـ"خريطة طريق لحل الأزمة في السويداء"، جاءت التطورات من داخل المحافظة لتشير إلى أن مساراً آخر مغايراً لتطلعات الحكومة ما زال يمضي بقوة في الجنوب السوري.
رفض الاتفاق لم يأت عبر بيان أصدرته "اللجنة القانونية العليا" (التي تدير المحافظة حالياً)، بل أيضاً ميدانياً على الأرض عبر استمرار حملة التوقيع على "حق تقرير المصير"، الذي وإن كان يتراوح بين الإدارة الذاتية، والاستقلال، إلا أن العريضة التي يتم التوقيع عليها حالياً في السويداء، تشير إلى معنى واحد لذلك الحق، وهو "الاستقلال التام".
فما الذي جعل الاتفاق صعباً؟ وإلى أين تتجه التطورات في المحافظة؟
ما زالت الجرائم التي شهدتها المحافظة في يوليو الماضي، أبرز عوامل التباعد مع حكومة دمشق، خاصة أن كثيرين من أبناء السويداء يحملونها المسؤولية المباشرة عنها، وهو ما حاولت الحكومة أن تقدم بشأنه رؤية في الاتفاق الذي أعلنت وزارة الخارجية السورية التوصل إليه، بعد اجتماع ضم الوزير أسعد الشيباني مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، والمبعوث الأمريكي توماس باراك.
ويتضمن الاتفاق تأكيداً أن "السويداء جزء أصيل من سوريا ولا مستقبل لها خارجها"، وحسب النص الذي نشرته الخارجية السورية، فإن الاتفاق يتطرق للهجمات التي شهدتها المحافظة في يوليو الماضي، وارتكبت خلالها جرائم عدة، ويتضمن دعوة لجنة التحقيق المستقلة إلى التحقيق بتلك "الأحداث المؤسفة" مع التزام حكومي بمحاسبة المتورطين.
كما يتضمن الاتفاق بنداً يؤكد على أن تقوم الحكومة السورية بسحب "كل المقاتلين المدنيين من الحدود الإدارية لمحافظة السويداء، وتنشر قوات شرطية مؤهلة ومدربة ومنضبطة على الحدود الإدارية للمحافظة".
لكن رد اللجنة القانونية في السويداء أكد انعدام الثقة بالحكومة، وقال إنها ليست محايدة في الانتهاكات التي شهدتها المحافظة، بل هي طرف فيها، وعليه شددت اللجنة في بيان على أن تلك الجرائم تشكل أسباباً وجيهة للمطالبة بالحق في تقرير المصير. وأضافت أن "لأبناء السويداء الحق القانوني والأخلاقي في تقرير مصيرهم بحرية واستقلال، سواء عبر الإدارة الذاتية أو الانفصال، باعتباره الخيار الأخير المتاح لضمان أمنهم وكرامتهم ووجودهم".
ويبدو أن الخطوات التي اتخذتها الحكومة السورية مؤخراً، زادت في ذلك التباعد، وكان بينها تكليف القيادي الدرزي سليمان عبد الباقي مسؤولية أمن المحافظة، رغم أنه مثار جدل، ولا يحظى بدعم شعبي في السويداء، خاصة بعدما أعلن تأييده لحكومة دمشق، بعد أحداث يوليو.
ويضاف إلى ذلك ما يتردد في المحافظة من اتهامات للحكومة بأنها تسعى لتضييق الخناق عليها، وتشديد الحصار عليها، منذ أكثر من شهرين.
كذلك الخرق المتواصل للهدنة المعلنة بموجب اتفاق سابق تم التوصل إليه بعد أحداث يوليو، وكان آخرها ما شهدته المحافظة أمس، إذ ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن بلدة عرى جنوبي غرب السويداء تعرضت لرمايات مكثفة من مواقع انتشار القوات الحكومية.
كل ذلك يعني أن المحافظة حسمت أمرها بعيداً عن سلطة دمشق، سواء عبر "إدارة ذاتية" أو "استقلال تام"، وبما أن خيارات فرض الحل بالقوة ما زال غير مطروح، فإن الموقف الدولي سيكون العامل الحاسم في ذلك، ويبدو أن التصورات المقترحه لجنوبي سوريا تتجاوز السويداء، حسبما يتكشف من تسريبات.
ذكر موقع "أكسيوس" الأمريكي أن لقاءً جمع الشيباني مع وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في لندن، بوساطة أمريكية (توماس باراك) لبحث مقترح إسرائيلي بشأن الجنوب السوري.
وحسب الموقع فإن إسرائيل قدمت مقترحاً لاتفاق أمني جديد لخريطة تمتد من جنوب غربي دمشق حتى الحدود مع إسرائيل.
وبموجب المقترح، سيتم تقسيم تلك المنطقة إلى 3 مناطق، بحيث يُسمح للسوريين بالاحتفاظ بمستويات مختلفة من القوات وأنواع مختلفة من الأسلحة بحسب المنطقة.