تتصاعد التساؤلات في ليبيا، حول المجلس الأعلى للدولة في التسوية المقبلة، لا سيما أنه يعيش انقسامًا حادًا على مستوى الرئاسة، وأصبح فعليًا "برأسين".
يأتي ذلك، مع اقتراب إعلان البعثة الأممية عن خريطة طريق جديدة لكسر الجمود السياسي.
ولا يزال مصير الانتخابات الداخلية بمجلس الدولة، التي تُجرى، سنويًا خلال شهر أغسطس/آب، لاختيار رئيس جديد للهيئة، مجهولًا حتى اليوم.
وكرّس حكم قضائي لصالح خالد المشري حالة الانقسام، بعد أن وجّه الأخير خطابًا رسميًا إلى المجلس الرئاسي، أطلعه فيه على الحكم القضائي الصادر عن المحكمة العليا، والذي قال إنه حسم الخلاف حول رئاسة المجلس لصالحه.
لكن خصمه محمد تكالة لم يعترف بذلك، واستمر في أداء مهامه كرئيس من مقر آخر.
وبدأ الخلاف، في أغسطس/آب 2024، حين حصل المشري على 69 صوتًا، مقابل 68 صوتًا لتكالة.
لكن التكالة رفض الاعتراف بالنتيجة، مشككًا في قانونية تصويت أحد الأعضاء، بعد أن كتب اسم تكالة في غير المكان المخصص، ما دفع الطرفين إلى اللجوء للقضاء لحسم النزاع.
ولم يستجب المشري لمبادرة أطلقها تكالة الشهر الماضي، قال إنها تهدف إلى توحيد المجلس المنقسم على نفسه، من خلال إجراء انتخابات مبكرة لمكتب الرئاسة.
وفي هذا السياق، يطرح رئيس الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية، أسعد زهيو، تساؤلات جدّية بشأن مستقبل العملية السياسية، في ظل الانقسام المتزايد داخل المجلس الأعلى للدولة، وتحديدًا بين المشري وتكالة.
وفي ظل هذا الخلاف، يبرز التساؤل حول مدى استعداد البعثة الأممية لتفعيل "الخيار الرابع" من بين خيارات اللجنة الاستشارية، وهو الخيار الذي يهدف إلى تجاوز الأجسام السياسية الحالية، وفق ما أكده زهيو في تصريح لـ"إرم نيوز".
لكن زهيو يعتقد أن "البعثة الأممية لا تولي اهتمامًا كبيرًا للخلافات داخل مجلس الدولة، فمنذ بداية هذا الانقسام قبل نحو عام، لم تُبدِ البعثة أي جهود ملموسة لجمع شمل المجلس".
ويُرجع هذا الموقف إلى قناعة بعض الأطراف الدولية بأن استمرار الأجسام المنقسمة يخدم مصالحها، إذ يمكن استغلال هذه الانقسامات "كشماعة" لتعليق الفشل وتبرير التقصير، الذي تتحمل مسؤوليته هذه الأطراف ذاتها.
ويرى زهيو أن الاتجاه نحو "الخيار الرابع"، والذي غالبًا ما يشير إلى تجديد الشرعية السياسية من خلال انتخابات شاملة، ليس مجرد رد فعل على الخلافات الحالية داخل مجلس الدولة، أو على ضعف المؤسسات، بل هو ضرورة ملحّة للشعب الليبي لإنهاء المرحلة الانتقالية وبدء مرحلة تأسيسية جديدة. فالليبيون، بحسب تعبيره، يتوقون إلى تجديد الطبقة السياسية وإنهاء حالة الجمود.
ومع ذلك، يستدرك زهيوـ بالقول إن "هذا المقترح يواجه تحديات كبيرة على المستوى الدولي، إذ ترى بعض الدول الراعية للمؤسسات القائمة، مثل مجلس النواب ومجلس الدولة، في استمرارهما ضمانة لمصالحها، وبالتالي، فإنها لا ترغب في تبني الخيار الرابع، الذي قد يهدد استقرار تلك المصالح".
وفي ظل حالة الانسداد السياسي الحالية، وتعدد الأحكام القضائية المتباينة بحق كل من المشري وتكالة، يؤيد المتحدث السابق باسم رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد السلاك، تفعيل الخيار الرابع.
والخيار الرابع "يقضي بتشكيل لجنة حوار سياسي تتولى استكمال الأطر القانونية والدستورية اللازمة لتمهيد الطريق نحو الانتخابات".
ويرى السلاك في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "هذا الخيار قد يكون الأقرب إلى التحقق ما لم تظهر مستجدات تغير الواقع الحالي، خاصة أنه يتماشى مع ما طُرح في كواليس مؤتمر برلين 3، من ضرورة تشكيل لجنة جديدة تمتلك الصلاحيات الكافية لحلحلة العقد القانونية والدستورية والسياسية التي تعرقل استكمال الترتيبات الانتقالية المؤدية إلى الانتخابات".
ومنذ إعلان الممثلة الخاصة للأمين العام، ورئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، هانا تيتيه، عن خريطة طريق جديدة تتضمن مواعيد زمنية محددة، تعيش الساحة الليبية توترًا ملحوظًا.
وخرج محتجون وبعض الفعاليات السياسية للمطالبة بإنهاء دور الأجسام السياسية الحالية، بما في ذلك مجلسا النواب والدولة، اللذان يُعتبران منذ اتفاق الصخيرات، العام 2015، طرفين أساسيين في أي مفاوضات.
غير أن الخلافات بين المشري وتكالة أثرت بشكل مباشر على إطلاق العملية السياسية المتعثرة.