مع بدء الانتخابات البرلمانية العراقية السادسة منذ 2003، تتجه الأنظار إلى مرحلة ما بعد النتائج، حيث تبدأ الحسابات السياسية لتشكيل الكتلة الأكبر داخل البرلمان، وهي الخطوة التي تحدد هوية رئيس الوزراء المقبل، وسط مشهد شيعي منقسم وتحالفات متحركة بين أجنحة "الإطار التنسيقي".
ورغم التنافس الانتخابي الذي خاضته قوى الإطار (مجلس يضم القوى الشيعية) بشكل منفرد، لا تزال الكتل المنضوية فيه تتحدث عن عودة محتملة لتوحيد الصفوف بعد الانتخابات.
وفي بيان رسمي صدر عشية التصويت العام، أكد الإطار أن "الإطار سيبقى كياناً وطنياً جامعاً، وأن قواه السياسية ستلتقي مجدداً بعد الانتخابات ضمن رؤية موحدة تحفظ استقرار الدولة وتعبر عن إرادة جماهيرها". وأضاف البيان أن "الإطار التنسيقي سيكون حريصاً على احترام المدد الدستورية الخاصة بتشكيل الحكومة المقبلة، وعلى المضي في تنفيذ الاستحقاقات الدستورية ضمن توقيتاتها المحددة وفق إرادة الشعب ونتائج صناديق الاقتراع"، داعياً العراقيين إلى المشاركة الواسعة "بوصفها واجباً وطنياً يعبر عن الإرادة الحرة للمواطنين".
توافقات معقدة
لكن خلف هذه اللغة التوافقية، يبدو أن المشهد داخل الإطار أكثر تعقيداً، فكل جناح يسعى لتوسيع نفوذه وتثبيت موقعه السياسي، بين جناح يقوده رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني الذي يسعى إلى ترسيخ موقعه كخيار توافقي محتمل، وجناح آخر يتمحور حول رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي الطامح لاستعادة دوره القيادي.
وفي هذا السياق، قال الباحث والأكاديمي غالب الدعمي: "الطريق أمام السوداني للعودة إلى رئاسة الوزراء صعب جداً لكنه ليس مستحيلاً في ظل التوافقات والتدخلات الخارجية"، مضيفاً أن "معادلة اختيار رئيس الوزراء في العراق لا تزال خاضعة لتوازنات دولية، فحتى لو رفضته كل الكتل وقبلته إيران والولايات المتحدة، فسيكون الأقرب إلى المنصب".
وأضاف الدعمي أن "اختيار رئيس الوزراء المقبل سيمر بمخاض عسير سواء تعلق الأمر بالسوداني أو بغيره؛ لأن المعادلة لا تُبنى فقط على نتائج الانتخابات، بل على ميزان التفاهمات الإقليمية والدولية ومدى قدرة الكتل على إنتاج تسوية داخلية تحفظ مصالحها".
عودة محتملة للإطار
ويرى مراقبون أن الإطار التنسيقي سيجتمع مجدداً بعد الانتخابات بصفته التحالف الشيعي الأكبر لتحديد شكل الحكومة المقبلة، مدعومًا بكتل سنية وكردية ترى في استمرار السوداني خياراً مريحاً لتجنب أزمة جديدة في تشكيل السلطة.
ويتوقع أن تنبثق عن هذا التفاهم كتلة برلمانية وازنة تعيد إنتاج الحكومة الحالية بصيغة معدلة، مع بعض التغييرات في المواقع الوزارية.
أما المحلل السياسي حسين الكناني فيشير إلى أن "الإطار يمتلك المقومات التنظيمية والعددية لتشكيل الكتلة الأكبر بعد الانتخابات"، متوقعاً أن "تشهد المرحلة المقبلة تسويات عاجلة بين أجنحته، تضمن بقاء المنصب ضمن دائرته السياسية، وإن بشخصية توافقية ترضي الأطراف المتباينة داخله".
وأضاف الكناني أن "الغياب المستمر للتيار الصدري عن العملية السياسية جعل الساحة الشيعية شبه مغلقة أمام خيارات بديلة؛ ما يمنح الإطار التنسيقي مساحة أوسع لإعادة ترتيب صفوفه داخلياً وتقديم مرشح قوي يحظى بقبول إقليمي ودولي".
حظوظ السوداني
وتُظهر قراءة المعطيات الحالية أن السوداني ما زال أحد أبرز الأسماء المتداولة لرئاسة الحكومة المقبلة، مدعوماً بسجل أداء حكومي اتسم بالاستقرار النسبي وبتفاهم واضح مع واشنطن وطهران في آن واحد؛ ما يجعله مقبولاً في معادلة "الوسط الإقليمي"، رغم اعتراض بعض الفصائل المتشددة التي تخشى تقليص نفوذها في حال استمرار نهجه الحالي.
وفي المقابل، تلوّح بعض الأطراف بطرح بدائل من داخل الإطار نفسه، في حال فشل السوداني في الحصول على توافق داخلي؛ ما قد يفتح الباب أمام بروز شخصيات أخرى من الصف الثاني، غير المعروفة للرأي العام، لكنها مقبولة من القوى المتنفذة، في تكرار لسيناريوهات تشكيل الحكومات السابقة.
ورغم أن الكتل الفائزة لن تُعلن رسمياً نتائج تحالفاتها قبل المصادقة النهائية، إلا أن المؤشرات السياسية ترجّح أن الإطار التنسيقي سيبقى القوة الممسكة بمفاتيح تشكيل الحكومة، مستنداً إلى شبكة نفوذ مؤسسية وغطاء سياسي إقليمي، في وقت تتجه فيه الأنظار إلى بغداد لمعرفة ما إذا كانت البلاد ستشهد ولادة حكومة "تسوية جديدة"، أم أن الصراع على الكتلة الأكبر سيعيد إنتاج الانسداد السياسي الذي عرفه العراق بعد انتخابات 2021.