زيلينسكي: مباحثات "غير سهلة" ولكن "مثمرة" مع الأمريكيين في برلين
كشفت مصادر دبلوماسية أن تمديد المهلة المتداولة لمعالجة ملف سلاح حزب الله من نهاية العام إلى نهاية كانون الثاني المقبل، يأتي وفق خطوة محسوبة في سياق إدارة سياسية دقيقة للوقت.
ووفق معلومات خاصة حصل عليها "إرم نيوز" من مصدر دبلوماسي غربي مطّلع، فإن القرار الفعلي المتصل بالملف "أُخرج مؤقتًا من التداول التنفيذي بانتظار محطة سياسية دولية محددة"، في إشارة مباشرة إلى اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ويؤكد المصدر أن "أي استعجال في حسم الملف قبل هذا اللقاء قد يربك التفاهمات التي يجري العمل على بلورتها"، ما يضع التمديد في إطار إدارة التوقيت لا إدارة الأزمة.
كما سيُبحث الملف اللبناني في اللقاء المرتقب كجزء من مقاربة أمنية–سياسية أشمل تتعلق بأمن إسرائيل وحدود نفوذ إيران. ويقول المصدر حول ذلك إن "سلاح حزب الله مطروح كعنصر ضمن سلّة تفاوضية أوسع، وليس كهدف فوري لإجراء أحادي".
اللافت، وفق هذه المعطيات، أن النقاش يدور حول إعادة ضبط دور السلاح والآليات والمراحل الزمنية المتعلقة بنزعه، بما ينسجم مع أولويات المرحلة المقبلة، سواء على صعيد الملف النووي الإيراني أو على صعيد إعادة ترتيب الجبهات الإقليمية.
القراءة الإسرائيلية، كما تُنقل دبلوماسيًّا، تقوم على أن أي تغيير في الواقع القائم شمالًا يجب أن يكون جزءًا من تفاهم سياسي–أمني متكامل، وليس نتيجة ضربة عسكرية أو تدخل بري محدود أو شامل قد يفرض وقائع غير قابلة للإدارة.
في هذا المشهد، تحاول فرنسا تثبيت دور مختلف، فالحراك الفرنسي الأخير الذي يترافق مع وصول مبعوث اقتصادي رفيع إلى بيروت لا ينفصل عن الملف الأمني، لكنه يلتف عليه من بوابة الاقتصاد. ووفق المصدر الدبلوماسي، فإن باريس تسعى إلى تحويل الإصلاحات المالية وقروض البنك الدولي إلى ورقة ضغط سياسية تُستخدم عند تعذّر فرض حلول مباشرة.
ويعكس هذا المسار قناعة فرنسية بأن الضغط الاقتصادي قد يكون أكثر فاعلية في الحالة اللبنانية من أي مقاربة أمنية صدامية، خصوصًا في ظل الانهيار المالي المستمر وضعف قدرة الدولة على المناورة.
في هذا السياق، قال مصدر دبلوماسي أمريكي لـ"إرم نيوز" إن الإدارة الأمريكية تنظر إلى ملف سلاح حزب الله كجزء من "إدارة أوسع لتوازنات ما بعد 2024 في الإقليم"، موضحًا أن الأولوية الحالية لدى واشنطن هي منع أي انفجار غير محسوب على الحدود الشمالية لإسرائيل.
وأضاف المصدر أن الحديث عن تمديد المهلة حتى نهاية كانون الثاني يأتي كإعادة ضبط للإيقاع السياسي، مشيرًا إلى أن الإدارة الأمريكية "تفضّل إبقاء الملف تحت السيطرة الزمنية بدل دفعه إلى نقطة اللاعودة قبل استكمال التفاهم مع إسرائيل".
وأوضح أن لقاء الرئيس دونالد ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيشكّل محطة أساسية لإعادة ترتيب الأولويات، كاشفًا أن "الملف اللبناني سيُبحث في اللقاء من زاوية ما الذي يجب تغييره على الأرض"، في إشارة إلى أن المقاربة الأمريكية تركز على النتائج العملية.
ولفت المصدر الدبلوماسي إلى أن واشنطن ترى أن أي معالجة جدّية لملف حزب الله لا يمكن أن تكون منفصلة عن المسار الإيراني، قائلًا إن "الحزب جزء من شبكة نفوذ إقليمية، وأي ضغط غير منسّق على هذه الشبكة قد يؤدي إلى نتائج عكسية". وأضاف أن هذا التقدير هو ما يدفع الإدارة الأمريكية إلى تجنّب خطوات متسرّعة أو مواقف علنية حادّة في هذه المرحلة تحديدًا.
وفيما يتعلق بإسرائيل، قال المصدر: إن واشنطن "تتفهم رغبة تل أبيب في تغيير الواقع القائم شمالًا، لكنها لا تشجّع على قرارات أحادية"، موضحًا أن "الرسالة الأمريكية واضحة وتفيد بأن أي تحرك كبير يجب أن يكون جزءًا من تفاهم سياسي مسبق".
وكشف المصدر أن واشنطن تعدّ الضغط الاقتصادي عنصرًا أكثر فاعلية في المرحلة الحالية من الضغط العسكري، مضيفًا أن "الانهيار المالي في لبنان بات عنصرًا أساسيًّا في حسابات التأثير، ولذلك يُنظر بإيجابية إلى الدور الفرنسي في ربط الدعم المالي بالإصلاحات". وأوضح أن واشنطن لا تعارض هذا المسار، وإنما تراه مكمّلًا للضغط السياسي، لا بديلًا عنه.
ويرى الباحث في الشؤون السياسية اللبنانية، رامي شمسي، في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن الإشكالية الأساسية في ملف سلاح حزب الله تكمن في تغييب الدولة اللبنانية عن مسار إدارة الملف نفسه، مشيرًا إلى أن ما جرى مؤخرًا هو نقل الملف من كونه إشكالية سيادية داخلية إلى كونه ورقة إقليمية تُدار بالكامل خارج المؤسسات اللبنانية؛ ما يضعف أي إمكانية لبنانية للتأثير في مساره.
ويضيف أن تمديد المهلة قد يكشف أيضًا هشاشة الموقع اللبناني. وبرأيه، فإن الخطر لا يكمن في مضمون أي تسوية محتملة بقدر ما يكمن في غياب أي نقاش وطني جدي حول شكل الدولة ودورها في مرحلة ما بعد هذه التسويات.
ويحذّر شمسي من أن تحويل الاقتصاد إلى أداة ضغط، من دون مسار سياسي داخلي موازٍ، قد يؤدي إلى إعادة إنتاج نموذج الدولة المعلّقة، حيث تُستخدم الأزمة المالية كوسيلة ضبط اجتماعي وسياسي. ويخلص إلى أن "لبنان قد يخرج من هذه المرحلة أقل سيادة، حتى لو خرج أكثر هدوءًا".
بدوره، اعتبر المحلل السياسي الأمريكي ديفيد كارلايل، المختص بالسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، أن المقاربة الأمريكية الحالية تقوم على إعادة هندسة السياق الذي يعمل فيه حزب الله، عبر تقليص هوامش الحركة، وضبط خطوط الاشتباك، وتغيير الكلفة السياسية لأي تصعيد، بدلًا من السعي إلى مواجهة مباشرة غير مضمونة النتائج.
ورأى، في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن هذا النهج يعكس خبرة تراكمية لدى واشنطن بعد سنوات من الفشل في فرض حلول قسرية في المنطقة.
وأضاف كارلايل أن إدخال العامل الاقتصادي بقوة في الملف اللبناني هو جزء من إستراتيجية أوسع تهدف إلى "إعادة تعريف الاستقرار بوصفه قدرة على البقاء".
وخلص إلى أن الولايات المتحدة قد لا تستعجل إغلاق ملف حزب الله، لأن "الملفات التي تُغلق بسرعة في الشرق الأوسط غالبًا ما تنفجر لاحقًا"، مشيرًا إلى أن واشنطن تفضّل إدارة طويلة النفس، حتى لو بدت بطيئة أو ملتبسة في نتائجها.