الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
قالت مصادر لبنانية خاصة إن ميليشيا حزب الله فعّلت شبكة مالية بديلة تشمل مَحافظ رقمية مجهولة المصدر، وشركات تحويل نقدي، وصناديق خيرية تعمل خارج النظام المصرفي، ردًّا على "الحرب المالية" الواسعة التي تنفذها واشنطن وتل أبيب، والتي تستهدف البنية الاقتصادية للحزب، وتحديدًا مؤسسة "القرض الحسن" وشبكات التمويل الموازي التي يعتمد عليها منذ سنوات.
وتشير معلومات حصل عليها "إرم نيوز" من مصادر مالية لبنانية، إلى أن الحزب بدأ خلال الشهرين الماضيين تفعيل مجموعة من الآليات المالية الجديدة، أبرزها استخدام محافظ رقمية ومنصات دفع مشفرة لتجاوز القيود المفروضة على التحويلات التقليدية، إلى جانب توسعة دوره داخل الاقتصاد النقدي.
وتأتي هذه الإجراءات، في لحظة تتقاطع فيها عدة مسارات، بدءًا بالضغوط الأمريكية المباشرة على مصرف لبنان والقطاع المالي، مرورًا بالحملة الإسرائيلية العسكرية - الإعلامية تمهيدًا لمرحلة توسيع المواجهة مع الحزب، وصولًا إلى التصعيد السياسي الداخلي المرتبط بمساعي بعض الأطراف اللبنانية للدفع نحو تفاوض شامل مع إسرائيل، وهو ما ترفضه ميليشيا حزب الله بشكل قاطع.
ضغوط مالية غير مسبوقة
قبل أيام قليلة، أصدر مصرف لبنان تعميمًا جديدًا يفرض على المؤسسات المالية غير المصرفية جمع بيانات كاملة عن أي عملية نقدية تتجاوز 1000 دولار، وهو ما تعتبره مصادر سياسية "استجابة مباشرة" لمطالب وزارة الخزانة الأمريكية بتضييق الخناق على حركة الأموال في السوق السوداء، التي تشكل العمود الفقري لتمويل ميليشيا حزب الله.
وبحسب مصدر سياسي لبناني، فإن واشنطن "تتعامل مع الاقتصاد النقدي في لبنان باعتباره المسار الأخير الذي يجب خنقه بعد فشلها في محاصرة حزب الله عبر القطاع المصرفي". وأوضح أن التعميم الأخير "ليس إجراءً محليًّا، بل هو جزء من برنامج مراقبة أمريكي يهدف لتجفيف كل منافذ الحزب المالية، بدءًا من شركات التحويل والصرافة وصولًا إلى الجمعيات الخيرية".
وتزامن التعميم مع تقارير إعلامية إسرائيلية تفيد بأن تل أبيب تضغط في الكواليس لإدراج "القرض الحسن" على لوائح "الأهداف المصرفية غير التقليدية" في أي حرب مقبلة، باعتبارها "العصب الاقتصادي" للحزب. ويشير المصدر إلى أن إسرائيل تعتبر استهداف المؤسسة، سواء عبر الغارات أو عبر العقوبات، "ضربة تكسر قدرة الحزب على الصمود في حرب طويلة".
"القرض الحسن" في عين العاصفة
ردّ الأمين العام لميليشيا حزب الله، الشيخ نعيم قاسم، على هذه الإجراءات بتحذير مباشر للحكومة وحاكم مصرف لبنان من "التضييق على القرض الحسن واللبنانيين"، واصفًا المؤسسة بأنها "رئة اجتماعية تعيش عليها عشرات آلاف العائلات".
وقال قاسم إن "العدوان اليوم ليس خرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار، بل محاولة لنزع عناصر القوة من لبنان". واتهم أطرافًا في الدولة بالسير خلف المطالب الأمريكية "طمعًا بإنهاء العدوان"، مؤكدًا أن أي تنازل مالي أو أمني "سيُعد تسليمًا للبلد لإسرائيل".
المصدر السياسي المطلع على موقف الحزب كشف لـ"إرم نيوز" أن قيادة الحزب "وجهت رسائل مباشرة إلى شخصيات رسمية" تحذر من محاولة استهداف القرض الحسن قانونيًّا، معتبرة أن الخطوة "لن تمر داخليًّا" وأن الحزب "سيتعامل مع أي إجراء على أنه عدوان اقتصادي".
تمويل بديل.. المحافظ الرقمية
إلى جانب المواجهة العلنية حول "القرض الحسن"، تُظهر معلومات حصل عليها "إرم نيوز" من مصدر مالي لبناني مطلع على ملف العقوبات، أن عددًا من الجمعيات العاملة ضمن بيئة حزب الله انتقلت خلال الأشهر الماضية إلى اعتماد المحافظ الرقمية بنطاق واسع، تحديدًا مَحافظ تعتمد على أنظمة دفع تشفيرية غير مرتبطة باسم شخص حقيقي، وحسابات على منصات دفع دولية تُدار عبر هويات رقمية غير لبنانية، معظمها مسجل في دول إفريقية قليلة الرقابة، إضافة إلى منصات تحويل تعتمد على نظام "peer-to-peer" الذي يسمح بإجراء عمليات تحويل نقدي خارج النظام المصرفي وخارج رقابة مصرف لبنان.
ويضيف المصدر أن هذه المَحافظ أصبحت تُستخدم في ثلاثة مجالات أساسية، أولها استقبال تبرعات المغتربين، وخاصة بعد تضييق الخناق على الحوالات التقليدية، وثانيها إدارة جزء من الرواتب الداخلية لعناصر الحزب عبر قنوات غير خاضعة للعقوبات المباشرة، وثالثها تحويل جزء من التمويل الإيراني الذي يصل إلى لبنان نقدًا أو عبر الوسطاء، ليُعاد تدويره في السوق المحلية.
وتشير المصادر إلى أن الحزب يستخدم المحافظ الرقمية "ليس كبديل كامل، بل كمسار مكمل" إلى جانب شبكات الصرافة التقليدية، لتقليل الاعتماد على أي قناة يمكن تعقبها.
"القرض الحسن".. مصرف الظل
بحسب تقديرات مالية موثوقة، يتراوح حجم التداول السنوي لـ "القرض الحسن" بين 3.5 و4 مليارات دولار، فيما تصل قيمة القروض الممنوحة سنويًّا إلى نحو 500 مليون دولار، وهو ما يجعل المؤسسة "مصرف الظل الأكبر في لبنان".
كما تعتمد المؤسسة على نظام الرهونات الذهبية، الذي يُعد قوامها الأساسي منذ التسعينيات، حيث تُقدر قيمة الذهب المخزن لديها بمئات ملايين الدولارات، ما يوفر قدرة عالية على إدارة السيولة بعيدًا عن المصارف التقليدية.
ويوضح المصدر المالي أن هذه المنظومة توفر لحزب الله "مرونة مالية صعبة الاستهداف"، لأن التعاملات تتم غالبًا نقدًا أو ذهبًا، وهو ما يصعب مراقبته دوليًّا.
إجراءات مضادة
يكشف المصدر نفسه أن حزب الله اتخذ خلال الأسابيع الأخيرة ثلاثة مسارات أساسية لحماية شبكته المالية، عبر تعزيز الاعتماد على الاقتصاد النقدي، وتشجيع التعامل بالدولار النقدي حصرًا، وتقليل الاعتماد على أي شكل من أشكال الحوالات النظامية التي يمكن تتبعها.
كما يقوم الحزب بإعادة هيكلة عمل "القرض الحسن" عبر إنشاء فروع بديلة غير معلنة، واعتماد أنظمة أرشفة داخلية غير قابلة للاختراق، وتوزيع جزء من مخزون الذهب بين مناطق متعددة لضمان صموده في حال تعرض مبان جديدة للقصف.
وبلفت المصدر إلى أن حزب الله وسّع عمل الجمعيات المالية الرديفة، حيث أطلق جمعيات أهلية وخيرية جديدة تعمل تحت عناوين اجتماعية، لكنها تؤدي عمليا دور "ممرات مالية" جديدة، بحيث لا يكون الضغط على "القرض الحسن" كافيا لإيقاف دورة التمويل الإجمالية.
تكشف المعلومات المتقاطعة أن معركة تجفيف مصادر تمويل حزب الله دخلت مرحلة مختلفة جذريًّا، وأن المواجهة لم تعد تدور في إطار العقوبات التقليدية أو الضغط على المصارف فقط، بل انتقلت إلى حرب مالية تكنولوجية تشمل المحافظ الرقمية والاقتصاد النقدي والذهب والشبكات العابرة للحدود.
وبينما تراهن واشنطن وتل أبيب على أن الضغوط المالية قد تؤثر في قدرة الحزب على تمويل بنيته العسكرية والاجتماعية، يرد الحزب عبر بناء نظام مالي موازٍ يعمل خارج كل رقابة مركزية، مستفيدًا من خبرة طويلة في إدارة اقتصاد ظل يمتد من بيروت إلى أفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وبحسب مصادر "إرم نيوز"، فإن الصراع حول "القرض الحسن" وشبكات التمويل البديلة سيكون "الواجهة الأكثر حساسية" في أي مرحلة تصعيد مقبلة، وهو لا يقل أهمية عن المواجهة العسكرية، بل قد يكون مقدمة لها.