شدد مصرف لبنان المركزي حربه على ما يسمى بـ"اقتصاد الكاش"، وتجفيف الموارد المالية لميليشيا "حزب الله" ومحاصرة المؤسسات المالية التابعة لها، وفي مقدمتها مؤسسة "القرض الحسن" الذي يدير أكثر من 30 فرعًا ويقدم قروضًا بدون فوائد لثلاثمئة ألف مستفيد تصفها السلطات الأمريكية بأنها عبارة عن عمليات غسل أموال.
فقد أصدر مصرف لبنان تعميمًا جديدًا أمس يلزم كل المؤسسات المالية وكونتوارات التسليف وشركات الصرافة ومؤسسات التحويلات النقدية والمحافظ الإلكترونية بإجبار جميع العملاء على تعبئة استمارة "اعرف عميلك" لأي عملية نقدية تزيد عن 1000 دولار أمريكي أو ما يعادلها.
ويركز التعميم على تجميد التحويلات غير المرخصة وربطها بقواعد بيانات الخزانة الأمريكية فورًا ومراقبة كل التحويلات الداخلية عبر التطبيقات الإلكترونية وإغلاق ثغرات التهريب بعد كشف تحويل أكثر من مليار دولار إلى حزب الله خلال 2025 من قبل إيران.
وجاءت توجهات مصرف لبنان المركزي بهذا الخصوص بعد زيارة وكيل وزارة الخزانة الأمريكية جون هيرلي إلى بيروت، حيث طالب السلطات اللبنانية بشراكة كاملة وشفافة لقطع التمويل الإيراني عن "حزب الله"، وهدد بفرض عقوبات على النظام المالي اللبناني ما لم يشدد إجراءاته لمنع تهريب الأموال إلى الحزب.
وحدد جون هيرلي 3 إجراءات يجب على السلطات اللبنانية تنفيذها فورًا ودون نقاش وذلك لتشديد الحصار المالي على حزب الله، شملت زيادة الرقابة على مكاتب الصرافة وإصدار مصرف لبنان تعميمًا خلال 72 ساعة يُلزم كل الصرافين (المرخصين وغير المرخصين) بتسجيل كل تحويل مالي، مع ربط فوري بقاعدة بيانات الخزانة الأمريكية.
وكانت مصادر لبنانية أكدت في وقت سابق ل"إرم نيوز" عن قيام هيرلي بتسليم الحكومة اللبنانية قائمة لتجميد حسابات 27 شركة صرافة وتجارية متهمة بغسل أموال حوّلها فيلق القدس الإيراني إلى حزب الله خلال 2025.
وقالت المصادر إن وزارة الخزانة الأمريكية أكدت أن حزب الله يستخدم الأموال المهربة سواء من إيران أم من بلدان أخرى لدعم جناحه العسكري، وإعادة بناء بنيته التحتية، مشيرةً إلى أن استغلال الحزب لمؤسسات الصرافة والنظام المالي بشكل عام، من شأنه تهديد نزاهة النظام المالي اللبناني من خلال دمج تمويل الإرهاب بالتجارة المشروعة.
وفيما قال مصرف لبنان إن تعميمه الجديد يتماشى مع المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال فقد وصف "حزب الله" التعميم بالابتزاز الأمريكي، رافضًا محاولات تصفية مؤسسة القرض الحسن التي تشبه "نزع سلاح الحزب" كما تطالب واشنطن وتل أبيب.
ومن المتوقع أن يسهم تعميم المصرف المركزي النتائج الأولية في تجميد تحويلات مئات الآلاف من اللبنانيين وارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء بالإضافة إلى إغلاق عشرات الكونتوارات غير المرخصة.
جدير بالذكر أن المعطيات الحالية تشير إلى أن لبنان يقف على مفترق طرق بين الإجراءات الجديدة الخاصة بالتحويلات المالية التي يعتبرها قرارًا سياديًا لتحسين صورة نظامه المالي على المستوى الدولي، فيما يراها البعض الآخر خطوة جديدة نحو الانتحار المالي الذي يعمق الأزمة المالية التي تعاني منها البلاد منذ سنوات.