رغم ارتفاع أصوات المطالبين بحماية حقوق الطفل في العراق، لا تزال مشاريع القوانين متعثرة داخل أروقة البرلمان، بينما يسجل البلد جرائم مروعة بحق الأطفال، آخرها مأساة "الطفل المخنوق بالحبل".
وشهد العراق مؤخرًا حادثة مؤلمة هزت الرأي العام، إذ أقدمت أم على خنق طفلها حتى الموت بعدما ربطته بحبل في نافذة المنزل لإجباره على الدراسة، في مشهد اعتُبر مؤشرًا خطيرًا على حجم المخاطر التي يتعرض لها الأطفال داخل البيوت، وسط فراغ تشريعي واضح وتأخر إقرار قانون حماية الطفل.
وتتكرر مشاهد العنف الأسري في العراق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر من حين إلى آخر مقاطع مصورة تُظهر انتهاكات بحق الأطفال داخل البيوت والمدارس، ما يثير عادةً موجات غضب واسعة وتحركات رسمية محدودة.
ووسط هذه الحوادث المتكررة، تتصاعد المطالبات بإقرار قانون حماية الطفل، الذي طال انتظاره لسنوات بسبب اعتراضات سياسية وخلافات حول بعض مواده، إذ يرى أعضاء في لجنة حقوق الإنسان أن تأخير التشريع ساهم في تفاقم الانتهاكات بحق الأطفال.
وقالت عضو لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي، نيسان زاير، إن "العراق بات بحاجة ماسّة إلى تشريع قانون لحماية الطفل، نظرًا لتفاقم حوادث العنف داخل الأسرة، وضرورة نشر الوعي المجتمعي لحماية الأسرة من الأخطاء الفردية واجتهادات الأهل في معاقبة الأبناء بطرق قد تتسبب بكوارث إنسانية".
وأضافت زاير، لـ"إرم نيوز"، أن "مسودة قانون حماية الطفل وصلت بالفعل إلى لجنة المرأة والأسرة والطفولة البرلمانية، لكن رئيسة اللجنة أعادتها إلى الحكومة بحجة أن بعض بنود القانون قد تشجع الأبناء على عصيان آبائهم، وهو تبرير يعكس سوء فهم لطبيعة الحماية القانونية المطلوبة للأطفال، وليس تحريضهم على التمرد".
وأشارت إلى أن "استمرار تأجيل هذا القانون يعني إبقاء الأطفال في دائرة الخطر، لا سيما مع غياب آليات قانونية واضحة تضمن لهم الحماية داخل الأسرة والمجتمع، وسط تصاعد المخاوف من زيادة معدلات العنف الأسري مستقبلًا".
إحصائيات مرعبة
وتشير أرقام شبه رسمية إلى أن ظاهرة العنف ضد الأطفال في العراق شهدت تصاعدًا خلال عامي 2024 و2025، إذ سجلت وزارة الداخلية نحو 14 ألف دعوى عنف أسري، معظمها يتعلق بالعنف الجسدي.
وأظهرت البيانات أن نسبة الضحايا من الإناث بلغت 73%، مقابل 27% من الذكور، فيما سجلت العاصمة بغداد وحدها نحو 31% من إجمالي الحالات.
وتشير تقارير حقوقية إلى أن نحو 90% من الأطفال العراقيين، الذين تتراوح أعمارهم بين عام و14 عامًا، تعرضوا لشكل من أشكال العنف المنزلي أو المجتمعي، ما يعكس خطورة الظاهرة وتأثيرها المدمر على مستقبل الأجيال القادمة.
ويرى خبراء اجتماعيون أن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتفكك الأسري أسهم بشكل مباشر في تفشي ظاهرة تعنيف الأطفال، مشيرين إلى أن العراق، رغم مصادقته على اتفاقية حقوق الطفل الدولية منذ عام 1994، لم ينجح حتى الآن في تفعيل منظومة حماية فعالة، ما جعل الأطفال من أكثر الفئات عرضة للانتهاكات والاستغلال في النزاعات والأعمال الشاقة.
نمط يومي
وبدورها، رأت الباحثة الاجتماعية منى العامري أن "ظاهرة العنف ضد الأطفال في العراق لم تعد ناتجة فقط عن عوامل اقتصادية أو اجتماعية، بل تحولت إلى نمط يومي تغذيه ثقافة اجتماعية تفتقر إلى مفاهيم التربية الحديثة والحقوق الإنسانية للطفل".
وأوضحت العامري، لـ"إرم نيوز"، أن "غياب برامج التوعية الأسرية، وضعف الإرشاد النفسي داخل المدارس، أسهما في ترسيخ فكرة أن العنف وسيلة مقبولة للتأديب، ما يستدعي معالجة مزدوجة، عبر سن تشريعات صارمة بالتوازي مع إطلاق حملات تثقيفية واسعة تستهدف الأسر والكوادر التربوية على حد سواء".
وأضافت أن "المشكلة لا تكمن فقط في غياب القوانين، بل في ضعف ثقافة الامتثال لها داخل المجتمع، وهو ما يجعل أي تشريع جديد بحاجة إلى دعم إعلامي وتربوي مستمر لضمان تأثيره العملي على أرض الواقع".
وتتواصل الدعوات الحقوقية في العراق لاتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الأطفال، عبر تعزيز القوانين الرادعة، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، إلى جانب إطلاق حملات توعية واسعة للحد من مخاطر العنف وآثاره السلبية على المجتمع.