أثار بيان البرلمان الليبي الأخير، الذي يرفض فيه دور بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بقيادة ستيفاني خوري بالإنابة، تساؤلات واسعة حول الدلالات السياسية لهذا الموقف وتداعياته على المشهد السياسي الذي يعاني من حالة جمود منذ سنوات، ورأى محللون أن تلك الخطورة تشكل "بداية مرحلة جديدة من التجاذبات السياسية".
وقال البرلمان في بيان مفاجئ للمتابعين للمشهد السياسي في ليبيا، إن "التعويل على بعثة الأمم المتحدة كوسيلة لحل أزمتنا الوطنية أثبت أنه مجرد استنزاف للوقت واستمرار لمعاناة الليبيين، ولا أمل في أن تقدم البعثة حلاً للأزمة".
وأكد البرلمان رفضه الاعتماد على بعثة الأمم المتحدة لحل الأزمة، مشيراً إلى أن الأولوية يجب أن تكون لإجراء "انتخابات حرة ونزيهة وبناء دستور دائم للبلاد".
وجاء البيان قبيل جلسة مرتقبة لمجلس الأمن الدولي، والتي من المتوقع أن تشهد مناقشات حول الأزمة الليبية، حيث يُرجح أن يتم خلالها التباحث بشأن تعيين مبعوث أممي جديد.
وفي تعليق على البيان، قال النائب في البرلمان، صالح قلمة، إن "البرلمان لا يرفض البعثة الأممية كبعثة، لكنه يرفض بعض مقترحات المبعوثين ومحاولاتهم".
وأوضح قلمة في تصريح خاص لـ"إرم نيوز" أن البعثة الأممية لا تستوعب بشكل كامل ما يحدث في المشهد الليبي، وأن الكثير من المبعوثين لا يقدمون خططاً أو مبادرات واضحة لدعم ليبيا.
وأضاف: "ما يقومون به هو محاولة إرضاء جميع الأطراف، وغالباً ما لا يحققون ثقة جميع أعضاء مجلس الأمن، أو حتى الدول الإقليمية المعنية".
وأشار قلمة إلى أن البرلمان لا يعلق آمالاً كبيرة على البعثة الأممية، خاصة في ضوء تعيين المبعوث الأممي العاشر إلى ليبيا خلال 13 عاماً، ما اعتبره رقماً قياسياً.
وأكد أن البرلمان هو الجسم التشريعي الشرعي الوحيد الذي يمثل الشعب الليبي، وأن الحلول يجب أن تكون ليبية خالصة دون تدخلات خارجية، سواء من البعثة أو غيرها.
وأضاف أن "الشعب الليبي يتطلع إلى حلول وحوار بين الليبيين فقط، بعيداً عن الإملاءات الخارجية".
وفي ذات السياق، شدد قلمة على أن البرلمان مستعد لقبول المساعدة في الوصول إلى حكومة واحدة، ومن بعدها إجراء انتخابات عامة، لكنه لن يقبل أي تدخل في القوانين الانتخابية التي تم الاتفاق عليها من قبل البرلمان واعترف بها مجلس الأمن والمبعوث الأممي السابق، عبد الله باتيلي.
مرحلة جديدة من التجاذبات السياسية
من جانبه، اعتبر الدبلوماسي الليبي السابق، الدكتور عثمان البدري، أن بيان البرلمان يمثل بداية مرحلة جديدة من التجاذبات السياسية في ليبيا، قد تمتد لسنوات أخرى.
وقال البدري في تصريح خاص لـ"إرم نيوز" إن البرلمان يبدو أنه يسعى إلى إدارة الأزمة دون محاولة جادة لحلها، مشيراً إلى أن البرلمان "لم يتحرك قيد أنملة" لإنهاء المشكلة السياسية في البلاد.
وأوضح البدري أن البرلمان في بيانه أشار إلى أن البعثة الأممية لا تسعى لتقديم حلول، بل تدير الأزمة فقط، وهو ما يتوافق مع ما يراه المتتبعون للمشهد الليبي.
وأضاف: "البرلمان أيضاً يقوم بإدارة مرحلة هدفها إطالة الوجود، دون محاولة جادة للوصول إلى حل نهائي، مثلما هو الحال مع لجنة الـ60 المكلفة بإعداد دستور للبلاد والتي لم تطرح مشروع الدستور للاستفتاء الشعبي منذ سنوات".
وأكد البدري أن رفض البرلمان لدور البعثة الأممية اليوم سيؤدي إلى إطالة أمد الأزمة السياسية، مشيراً إلى أن البرلمان لا يملك أدوات فعالة للمساهمة في حل الأزمة.
وأوضح أن "الأزمة السياسية في ليبيا هي أزمة أمنية بالدرجة الأولى، تتعلق بوجود مجموعات مسلحة تلعب دوراً مهماً في المشهد السياسي، وتدرك البعثة ذلك، لكنها تلعب على التناقضات الموجودة بين الأطراف المختلفة".
وفي ظل التوترات المستمرة والمواقف المتباينة بين الأطراف الليبية، يبدو أن الأزمة السياسية في ليبيا لا تزال بحاجة إلى حلول شاملة ودائمة تتجاوز المناورات السياسية والتجاذبات بين الأطراف الداخلية والدولية.
وقد يشير رفض البرلمان لدور البعثة الأممية إلى رغبة في أن يتولى الليبيون أنفسهم زمام الأمور، لكن ذلك يتطلب توافر الإرادة السياسية والقدرة على تجاوز التحديات الداخلية والخارجية التي تعرقل عملية الحل.