على الرغم من تباهي إسرائيل بنجاحها في اصطياد رئيس حكومة الحوثيين وعدد من أعضائها في هجومها الأخير على العاصمة اليمنية صنعاء، تتباين وجهات نظر المسؤولين والخبراء اليمنيين حول حجم التأثير الذي تخلفّه هذه العملية، على أداء الميليشيا وبنيتها القيادية والتنظيمية العميقة.
ويعتقد وكيل وزارة الإعلام لدى الحكومة اليمنية، فياض النعمان، أن العملية الإسرائيلية رغم ما تعكسه من "هشاشة في البنية الداخلية لسلطة الحوثيين الانقلابية، لكنها في الوقت ذاته لا تعدّ مؤشرا على تغيّر جوهري في مسار أداء الميليشيا، لا على الصعيد السياسي ولا العسكري ولا حتى الإداري".
وقال النعمان، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن الشخصيات المستهدفة "مهما علت مواقعها الشكلية، إلا أنها تبقى مجرد أدوات تنفيذية محصورة في إدارة الشأن اليومي للمناطق الخاضعة بالقوة لسيطرة الميليشيا، ولا تملك في جوهرها صلاحية اتخاذ الحرب أو السلم".
وأضاف أن الحوثيين "كجماعة أيديولوجية مسلحة تقوم على منظومة فكرية ومؤسسات ظل مغلقة، تتشابك فيها الخيوط العقائدية مع البنية العسكرية والأمنية المرتبطة عضويا بإيران وبحرسها الثوري، ومن ثم فإن استهداف شخصيات سياسية أو تنفيذية من الصف الثاني أو الثالث مثل رئيس حكومة الميليشيا أحمد الرهوي، لا يؤدي إلى إرباك استراتيجي عميق، وقد يدفع الميليشيا إلى محاولة استثمار الحدث دعائيا وإعلاميا لإظهار نفسها كضحية، أو لتبرير مزيد من التصعيد العسكري في الداخل والخارج".
وبيّن النعمان، أن الارتباك الحقيقي والانهيار البنيوي للحوثيين "سيظهر إذا ما وصل الاستهداف إلى رأس هرم الميليشيا، ممثلا بعبدالملك الحوثي، والدائرة الضيّقة المحيطة به، وكذلك القيادات الجهادية والفكرية التي تشكّل عقل الجماعة العسكري والأمني".
وأشار إلى أن عملية اغتيال الرهوي وأمثاله، رغم ما تحمله من رمزية، "يظل محدود الأثر في المشهد العام؛ لأن قرار الميليشيا يُدار من قيادة عقائدية عسكرية عابرة للحدود، تمثّل الامتداد الأخطر للمشروع الإيراني في اليمن والمنطقة".
وقدّر المحلل السياسي، حسام ردمان، أن تكون الغاية التي سعت إليها إسرائيل من اغتيال حكومة الحوثيين، "سياسية وليست استراتيجية، وهي لا تهدف إلى الردع، بل إلى الاستدراج".
ووصف العملية الأخيرة بـ"الكبيرة من حيث الكمّ، فهي لا تشبه ما سبقها في اليمن، لكنها عادية من حيث الكيف؛ إذ لا ترقى إلى مستوى العمليات النوعية في لبنان وإسرائيل، التي أصابت حزب الله والحرس الثوري بحالة شلل استراتيجي وفراغ قيادي".
وذكر ردمان، أن إسرائيل لم تُقرر حتى الآن، الانخراط في مواجهة استخباراتية – عسكرية مفتوحة مع الحوثيين، "وما زالت تلاعبهم وفق قواعد اشتباك متدرّجة. الأمر المهم الذي يقوله هجوم صنعاء الأخير، هو إن إيران التي بادرت إلى إشعال الجبهة اليمنية لم تعد هي من تصنع قواعد المواجهة".
وقال إن تل أبيب منذ العام 2025 على الأقل "صارت المتحكّم بإيقاع المواجهة، وهي من تعيد ضبطه بما يخدم مصالحها الاستراتيجية ويمكنها من صناعة الذرائع السياسية لشرعنة حضورها طويل الأمد في اليمن والبحر الأحمر، ولمواصلة حربها في غزة واستئناف حملتها ضد إيران".
في المقابل، يرى رئيس مركز "أبعاد للدراسات الاستراتيجية"، عبدالسلام محمد، أن الهجوم الأخير وغيره من الهجمات التي استهدفت القيادات المختلفة، "تؤكد أن الجماعة في وضع غير آمن، ومن ثم ينعكس ذلك على بنيتها التنظيمية ومناصرتها الشعبية".
وأكد عبدالسلام، في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن كتلة الحوثيين التنظيمية باتت معرّضة للتفكك جراء مثل هذه الاستهدافات التي ستدفع الكثيرين إلى التخلي عن مناصرتها خلال الفترة القادمة؛ ما يظهرها ضعيفة ومخترقة من الداخل".
وبحسبه، فإن الضربات الأخيرة "تؤثر كثيرا في مصير ونهاية الحركة الحوثية، أو على الأقل تعجّل من توقيت النهاية، بحكم أن الكتلة الصلبة العقائدية والأيديولوجية والعسكرية لدى الحوثيين، تعتمد اعتمادا كليا على مسار وقوة المجتمع نفسه".
وأشار إلى اعتماد الحوثيين في بداية انقلابهم على الدولة "على قوات الحرس الجمهوري، وبنية حزب المؤتمر الشعبي العام، إضافة إلى اعتمادهم على بنية القبيلة، بمعنى أن القوام التنظيمي داخل الحركة نفسها، غير قادر على عمل تأثير كبير؛ وهذا ما يجعل الضربات تضعف الحركة من حيث تقليل مناصريها غير العقائديين وداعميها الشعبيين، الأمر الذي يجعل الكتلة التنظيمية للحوثيين معرّضة للتفكك والضعف في قادم الأيام".
بدوره، يقول المحلل السياسي، خالد سلمان، إن عملية صنعاء "القاصمة"، هي بمثابة الضربة التي تقصّ شريط الموت، وتُسقط الحجر الأول من "دومينو البناء الحوثي المكشوف استخباريا، للتتابع بعدها الانهيارات حتى يغدو الحوثيون الوجه الآخر لحزب الله اللبناني".
مضيفا في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن إعلان إسرائيل إنشاء جهاز استخباري خاص لملاحقة قيادات الحوثي، لا يمكن أن يأتي توقيته اعتباطا، "بل يؤشر إلى أن بنك المعلومات على وشك الاكتمال، وأن روائح البارود وأزيز الشظايا تطرق أبواب القيادة الحوثية وتحفر قبر زعيمها".
وذكر سلمان، أن الحوثي "المؤدلج غيبيا لم يبحث دروس نكبة حلفائه في حزب الله، أو يُعيد تقدير الموقف بواقعية وعقلية تتوخى الصدق في تحليل موازين القوى".
ولفت إلى أن عبدالملك الحوثي وخطابه التعبوي التحشيدي، الذي قال إنه يُعيد اجترار لغة الحتميات حول الخير والشر وانتصار الأول دون بناء مقومات مادية تستدعي النصر، يجعل الجماعة "تعيش حالة انفصال ونكران لواقعها المخترق في مرمى نيران قوة جبارة تفوقهم عتادا وتسليحا وقدرات استخبارية".