رأى خبراء سياسيون فرنسيون أن اجتماع مدريد الذي جمع وزراء وممثلين من دول أوروبية وعربية يمثل منعطفًا دبلوماسيًا خطيرًا في علاقات الاتحاد الأوروبي مع إسرائيل، وقد يكون بداية تحوّل في موقف العواصم الغربية تجاه تل أبيب.
ويعد الباحث الفرنسي باتريك لوران، المتخصص في العلاقات الأوروبية الشرق أوسطية في معهد "مونتان" لـ"إرم نيوز"، أن "مجرد طرح العقوبات ضد إسرائيل على طاولة أوروبية-عربية مشتركة، يعكس فقدان الثقة الأوروبية المتزايد باستراتيجيات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو". وأضاف أن الاجتماع "يؤكد أن الصبر الأوروبي بدأ ينفد".
من جانبها، قالت الباحثة السياسية الفرنسية إيزابيل جريمو، من مركز أبحاث العلاقات الدولية (CERI)، لـ"إرم نيوز"، إن "اجتماع مدريد يُظهر للمرة الأولى أن الدول العربية والأوروبية باتت تتكلم لهجة واحدة تقريبًا بشأن المطالبة بوقف فوري للحرب في غزة".
في تطور دبلوماسي لافت، استضافت العاصمة الإسبانية مدريد، أمس الأحد، اجتماعًا رفيع المستوى جمع ممثلين عن نحو عشرين دولة أوروبية وعربية، بالإضافة إلى منظمات إقليمية كجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
وترأس اللقاء وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، الذي دعا إلى "النظر الجاد في فرض عقوبات على إسرائيل" من أجل وقف حربها المستمرة في قطاع غزة.
وأكد ألباريس، في تصريحاته لراديو "فرانس إنفو"، أن على المجتمع الدولي التفكير في فرض عقوبات على إسرائيل لوقف الحرب التي وصفها بأنها "لم تعد ذات هدف".
وأضاف: "يجب السماح بدخول المساعدات الإنسانية بشكل واسع ومحايد، دون أن يكون لإسرائيل الحق في تقرير من يأكل ومن لا".
وطالب الوزير الإسباني بـ"تعليق فوري لاتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل"، و"إدراج شخصيات إسرائيلية – مثل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو – على لوائح العقوبات الفردية؛ بسبب عرقلتهم قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة".
ونقلت صحيفة La Razón الإسبانية، عن مصادر دبلوماسية، أن مشاركة دول مثل ألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وإيطاليا – التي لا تعترف رسميًا بعد بالدولة الفلسطينية – "تشير إلى مدى تآكل صبر الحلفاء التقليديين لإسرائيل".
كما لفتت صحيفة El País إلى أن هذه الدورة من اجتماع مجموعة مدريد شهدت مشاركة عدد مضاعف من الدول مقارنة بالنسخ السابقة، ما يعكس اتساع دائرة الدول التي ترغب في إيجاد حل عاجل للصراع.
ورغم أن الاجتماع لم يصدر عنه بيان ختامي موحد – في إشارة إلى تباين مواقف المشاركين – فإن مجرد انعقاد القمة بهذا الحجم، وبمستوى من الصراحة في الطرح، يشكّل ضربة رمزية قوية للدبلوماسية الإسرائيلية.
وتأتي هذه المبادرة في ظل تصاعد الانتقادات الموجهة لإسرائيل بسبب استمرار الحرب التي أدت وفق وزارة الصحة في غزة إلى مقتل نحو 54 ألف شخص، معظمهم من المدنيين، بينهم أطفال ونساء.
كما حذر مسؤولو الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية من أن الحصار المفروض منذ أكثر من شهرين تسبب بنقص كارثي في الغذاء والماء والدواء والوقود، وسط تحذيرات من مجاعة جماعية.
ويرى الباحث لوران أن "اجتماع مدريد وإن لم يتوج بإجراءات عملية حتى الآن، إلا أنه يعيد رسم معادلة التحالفات، ويبعث رسالة قوية إلى إسرائيل بأن صمت الحلفاء لم يعد مضمونًا".
أما جريمو، فتشير إلى أن "الربط بين الحل السياسي (حل الدولتين) والضغط الاقتصادي والدبلوماسي على إسرائيل يعكس تغيرًا نوعيًا في التعاطي الأوروبي مع الملف".
واعتبرت جريمو أن اجتماع مدريد قد لا يؤدي إلى تغيير فوري في سلوك الحكومة الإسرائيلية، لكن الرسائل السياسية التي حملها تعكس بداية تحوّل في المواقف الغربية، إذ لم يعد الدعم غير المشروط لتل أبيب مضمونًا كما في السابق.
وتابعت: "إذا ما تطور هذا التوجه إلى مواقف تنفيذية كفرض حظر سلاح أو تجميد اتفاقات، فقد يشكّل ذلك سابقة في علاقة أوروبا مع إسرائيل".