قال تقرير لموقع "ناتسيف" العبري، إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأت "محاصرة" النفوذ الإيراني في السودان، عبر فرض عقوبات تستهدف قيادات في قوات بروتسودان المتحالفة مع طهران.
وأضاف تقرير الموقع المتخصص في الشؤون العسكرية والاستخباراتية، أن العقوبات الأمريكية على وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم وكتيبة البراء بن مالك تسلط الضوء مرة أخرى على النفوذ الإيراني في السودان والعلاقة المتنامية بين طهران وعدد من الجماعات الإسلامية والشخصيات السياسية في البلاد.
وأوضحت وزارة الخزانة الأمريكية أن الهدف من هذه العقوبات هو الحد من نفوذ الإسلاميين في السودان، والحد من أنشطة إيران الإقليمية التي تسهم في زعزعة استقرار البلاد.
وكان إبراهيم، الذي يرأس حركة العدل والمساواة، زار طهران في نوفمبر 2024، حيث اتفق الجانبان على زيادة التعاون.
وعادت العلاقات الدبلوماسية بين طهران والخرطوم إلى طبيعتها في عام 2024، بعد خلاف دام قرابة ثماني سنوات، عقب اقتحام متظاهرين للسفارة السعودية في طهران.
وفتحت هذه الخطوة الباب أمام التواصل الإيراني المباشر مع القوى السياسية والجماعات المسلحة الإسلامية، وعلى رأسها لواء البراء بن مالك الذي عاود الظهور كقوة في العام 2023، وقاتل ولا يزال إلى جانب قوات بورتسودان في معاركها ضد قوات الدعم السريع.
وهذه المجموعة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين في السودان وتستقطب الشباب أغلبهم من المنظمات الطلابية.
التغلغل الإيراني في السودان
قال كاميرون هدسون، الباحث في برنامج أفريقيا بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية: "هناك معلومات جديدة في العقوبات الأمريكية تشير إلى أن الحرس الثوري الإيراني موجود بالفعل على الأرض، ويُقدم التدريب لعناصر من قوات بورتسودان".
وأضاف هدسون في تصريح لموقع "ناتسيف"، "ما سمعناه من سلطات بورتسودان هو أن النفوذ الإيراني ليس كبيرًا، وأنهم لم يعتمدوا على إيران لتزويدهم بالأسلحة، لكن الواقع يختلف عما يقوله هؤلاء".
ومع اندلاع المعارك بين قوات الدعم السريع وقوات بروتسودان في العام 2023، احتاجت الأخيرة إلى مصادر جديدة للأسلحة، ووجدت طريقها إلى إيران.
وذكرت عدة تقارير أن طائرة إيرانية هبطت في بورتسودان يوم الـ17 من مارس 2025، وهي تحمل طائرات مسيرة هجومية من طراز مهاجر 6 وأبابيل 3 وصواريخ مضادة للدبابات، قبل أن تعود إلى طهران في اليوم نفسه.
وتبرر واشنطن العقوبات على إبراهيم ولواء البراء بتورطهما في تقديم مساعدات عسكرية لقوات بورتسودان عبر قنوات تمويل مرتبطة بطهران.
كتيبة البراء تحت المجهر
وبحسب عدة تقارير صحفية، فإن معظم مقاتلي البراء بن مالك، الذين بلغ عددهم نحو 20 ألف مقاتل، كانوا أعضاء في قوات الدفاع الشعبي التي شكلتها الحركة الإسلامية في تسعينيات القرن الماضي لدعم الجيش ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان في جنوب البلاد.
وظلت المجموعة التي يقودها مصباح أبو زيد طلحة بعيدة عن الأضواء كل تلك السنوات، حتى عادت للظهور مع اندلاع المعارك بين قوات بورتسودان وقوات الدعم السريع في أبريل2023.
وتعتبر كتيبة البراء المسلحة بكثافة بالأسلحة الإيرانية، من أهم المجموعات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، وتتهم بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك الإعدامات خارج نطاق القضاء والاعتقالات التعسفية والتعذيب.
ويعتبر وزير المالية السوداني، الذي يرأس حركة العدل والمساواة، معروفًا بعلاقاته الوثيقة مع الإسلاميين.
وتعتبر الحركة منظمة مسلحة في دارفور، ومعروفة بعلاقاتها التاريخية مع عدد كبير من قيادات الإخوان المسلمين في السودان، ومن بينهم حسن الترابي.
ونشرت الحركة آلاف المقاتلين في المعارك، ودعمت قوات بورتسودان بقيادة عبد الفتاح البرهان، كما اتُهمت بارتكاب جرائم قتل وتشريد المدنيين.
ونفت الحركة أن تكون تابعة لأي مشروع أيديولوجي أو ذراع خارجي، ووصفت زيارة إبراهيم إلى طهران بأنها "عمل رسمي مشروع في إطار مهامه كوزير" على حد قولها.
ومع ذلك، أشار هدسون إلى أن إضافة وزير المالية إلى قائمة العقوبات يُعدّ تحذيرًا واضحًا لحكومة بورتسودان.
وقال: "أعتقد أنه تحذير واضح جدًّا لحكومة بورتسودان، بأنه إذا قامت بأيّ نوع من التواصل الرسمي مع الحكومة الإيرانية، فستواجه عواقب فورية".
تأثير العقوبات
ولم يتضح بعد ما إذا كانت العقوبات الأمريكية ستؤدي إلى قطع العلاقات بين إيران وحكومة بورتسودان، أو بين إيران وبعض القوى والمنظمات الإسلامية هناك.
وترى الإدارة الأمريكية أن التعاون العسكري بين بورتسودان وطهران يهدد الاستقرار الإقليمي، وخاصة في منطقة البحر الأحمر، ويمنح إيران موطئ قدم إستراتيجيًّا في القارة الأفريقية.
من جانبها قالت حكومة بورتسودان إن العقوبات الأمريكية "لا تساعدها على تحقيق أهدافها المرجوة، وإنها تنظر إلى الأمر من منظور حق البلاد السيادي في التعامل مع العقوبات الخارجية، وإنها غير خاضعة لأي إملاءات إيرانية" على حد تعبيرها.
وخلص التقرير العبري إلى أنه بناء على هذه المواقف، التي لا تشير إلى تغير كبير في العلاقات بين طهران من جهة وحكومة بورتسودان وعدد من الأطراف الأخرى من جهة أخرى، فإن أبواب السودان تبقى مفتوحة للتدخل الأجنبي حتى إشعار آخر.