يقول الخبير السياسي اللبناني نضال السبع، إن الحكومة اللبنانية الجديدة لن تنال موافقة كل الأطراف السياسية التقليدية، بطبيعة الحال، إلا أنها ستحوز على ثقة البرلمان بثمانين صوتاً على الأقل، موضحاً أن استبعاد حلفاء "حزب الله" من التشكيلة الجديدة جاء بضغط الولايات المتحدة التي كانت لها "نوايا مبيّتة" نحو تشكيل حكومة خالية من "الثلث المعطل".
ويضيف السبع، في لقاء خاص لـ"إرم نيوز"، أن هناك العديد من الاستحقاقات أمام الحكومة اللبنانية، منها: ملف الانسحاب الإسرائيلي، والإصلاحات الاقتصادية، وأزمة مرفأ بيروت وتحقيقاته الأمنية.
وأُعلن، يوم أمس السبت، عن تشكيلة الحكومة اللبنانية من القصر الرئاسي في بعبدا، بعد اجتماع بين رئيس الحكومة المكلف نواف سلام، ورئيس الجمهورية جوزيف عون، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري.
وتالياً نص الحوار مع الخبير نضال السبع
أعتقد أن أمريكا حوّلت ملف حقيبة وزارة المالية في لبنان إلى قضية كبيرة، وبالتالي وضعت الكثير من العقبات أمام تسلّم الوزارة من قبل الثنائي الشيعي "حزب الله - حركة أمل" أو من قِبل رئيس البرلمان نبيه بري، فيما تناقلت وسائل إعلام أن هذه الوزارة ليست مشرعة بالقانون أن تكون بيد الشيعة.
لذا، كان الإيعاز الأمريكي واضحاً بخصوص موضوع الوزير الشيعي الخامس، إذ ناورت واشنطن حول وزارة المالية والتوقيع الثالث والوزير الخامس، ولكن النوايا المبيّتة لأمريكا كانت تستهدف تشكيل حكومة خالية من "الثلث المعطل".
و"الثلث المعطل" يعني وجود 8 وزراء قادرين على تعطيل أي قرار. ولكن في الحكومة الجديدة، هناك 5 وزراء فقط من الشيعة، ولن يكون لهم ثقل كبير، ما يعني وجود وزراء أغلبية مع التوجه الأمريكي، هم من حصة رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة.
وواضح أن المبعوثة أورتاغوس، ومن خلال حديثها من القصر الجمهوري في بيروت، كانت توجه تحية لإسرائيل، في إطار الضغط على "حزب الله"، تمهيداً لتسهيل تشكيل الحكومة دون عراقيل.
بحكم المؤكد أن هذه الحكومة لن تنال موافقة كل الأطراف السياسية التقليدية، وهذه الحكومة، عملياً، مُمثلٌ فيها "حزب الله"، و"حركة أمل"، بالإضافة إلى تمثيل "الكتائب"، و"القوات اللبنانية" بأربع وزارات، ولكنها استبعدت جبران باسيل الذي لديه 13 نائباً في البرلمان، وسليمان فرنجية، الذي كان موعوداً بوزارة الإعلام ولديه 4 نواب، وكذلك تم استبعاد كل الكتل السنّية، مثل كتلة فيصل كرامي ولديها 5 نواب، وكتلة "الاعتدال" المصنفة على أنها مقربة من الرئيس الحريري، وآخرين، بينما أخذ الدروز حصتهم.
من المفترض أن تذهب الحكومة إلى البرلمان، بعد توقيعها من رئيس الجمهورية، وأن تحصل على الثقة.
هذه الحكومة ستحوز على ثقة البرلمان، بثمانين صوتاً على الأقل، وبالتالي تنال الأغلبية في البرلمان، مع التأكيد مجدداً أن هذه الحكومة تمت بضغط أمريكي.
هناك العديد من الاستحقاقات في لبنان، منها ملف الانسحاب الإسرائيلي.. فماذا لو لم تنسحب إسرائيل؟ كيف ستتصرف الحكومة اللبنانية أمام تعنت تل أبيب مثلاً؟ ستكون الحكومة أمام مشكلة كبيرة، وربما يستدعي الأمر تدخلاً أمريكياً.
الاستحقاق الثاني هو كارثة "مرفأ بيروت" بعد تفجيره، وأزمة التحقيقات والقرار الظني.. وباعتبار أن وزارة العدل الجديدة من حصة "الكتائب"، فقد يتم إصدار القرار الظني أخيراً، ما يعني استدعاء المتورطين والمهملين في الملف الذين تسببوا بالكارثة، إلى القضاء، ومنهم أطراف سياسية في الصف الأول.
الاستحقاق الآخر يتعلق بالأزمة الاقتصادية، وهذا يتوقف على مدى قدرة الحكومة على جذب دول الخليج العربي للاستثمارات في الدولة اللبنانية.
نعم، هذه حقيقة. اليوم يمكننا الإشارة إلى نحو 15 وزيراً في الحكومة الجديدة، غير محسوبين على القوى السياسية التقليدية؛ فمن أصل 24 وزيراً، هناك 5 لـ"حزب الله" و"حركة أمل"، و1 لـ"الكتائب اللبنانية"، و4 لـ"القوات اللبنانية"، و2 لـ"التقدمي الاشتراكي"، والبقية من حصة نواف سلام وجوزيف عون؛ أي أن الحكومة المشكّلة، يوم أمس، لا لون سياسي لها.
التشكيل الوزاري يعكس مسألة مهمة، وهي أن جبران باسيل، كان يأخذ الحصص الوزارية بدعم من "حزب الله" والثنائي الشيعي، وعندما تم فك هذا التحالف، لم يتمكن باسيل من فرض رؤيته وإرادته على تشكيل الحكومة، فتم، عملياً، استبعاده.
باسيل يخضع للعقوبات الأمريكية، وحاول الابتعاد والتمايز عن "حزب الله"، ولكن عندما رشح الحزب سليمان فرنجية، شن جبران هجوماً عليه. لذا، فإن هذا الهجوم أولاً، وانفراط عقد التحالف ثانياً، وضرب تحالفات باسيل داخل التيار الوطني الحر ثالثاً، وانشقاق نواب عن كتلته رابعاً.. كل هذه الأمور أوصلت جبران إلى هذا الضعف.
بناءً عليه، يبدو واضحاً أن كلّ حلفاء "حزب الله" تم إبعادهم في الحكومة، مثل: جبران باسيل، وفيصل كرامة، وسليمان فرنجية، وغيرهم.
هذا أمر طبيعي؛ فنواف سلام لا يمكنه تجاهل الطائفة الشيعية في تشكيلة الحكومة، التي لا يمكن إجراؤها من دونهم، لاسيما حين تُعرض الحكومة على البرلمان لنيل الثقة من قبل النواب الشيعة الـ27.. وفي حال اختار سلام وزراء شيعة ولكن من خارج "الثنائي الشيعي"، لأدى الأمر بالنواب الشيعة إلى تقديم استقالاتهم، ما يعني الدفع نحو إجراء انتخابات نيابية مبكرة.
"حزب الله" كانت لديه قدرات كبيرة، ولا يزال موجوداً عسكرياً، رغم تلقيه ضربات كبيرة وفقدانه الكثير من قدرته بسبب الخرق الأمني الإسرائيلي داخل بيئة الحزب نفسها.
أما بخصوص مسيرة الإصلاح، فإن ما يهم "حزب الله"، الآن، هو موضوع إعادة إعمار جنوب لبنان، الذي يعد ورقة ضاغطة عليه.. كما أن لديه عدة استحقاقات مهمة، منها كيفية التعاطي مع الانتخابات المقبلة، وكيفية حفاظه على وجوده داخل البرلمان، وآلية تعامله مع مسألة نزع السلاح التي طرحها المبعوث الأمريكي السابق آموس هوكستين، وهذا، برأيي، الاستحقاق الأخير والأخطر.
"حزب الله" يلملم جراحه الآن، ويفكر في كيفية الاستمرار خلال المرحلة المقبلة، لاسيما بعد سقوط سوريا، وخسارة خطوط الإمداد.
لا مؤشرات، إلى الآن، على انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان بحلول 18 فبراير الجاري، كما هو مقرر، رغم أن قدرة لبنان على الضغط عسكرياً وأمنياً على إسرائيل تعد ضعيفة، بحسب المجتمع الدولي.
التدخل الإيراني لا يزال قائماً في لبنان، ولكن إيران لم تعد قادرة على إرسال الأموال والسلاح إلى"حزب الله"، كما كان، وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة لطهران. وكمثال على ذلك، شهدنا، قبل فترة، إيقاف طائرة إيرانية في لبنان كانت محملة بالدعم المالي للحزب.
مشكلة "حزب الله" مستعصية، فلديه كوادر، ومصاريف وإعادة إعمار، لاسيما بعد تشديد الحكومة إجراءاتها الأمنية حول الحدود البرية والمرفأ.