حالة من الغموض تلف الهجمات الجوية التي طالت منشآت حيوية في العراق، وسط صمت رسمي وتضارب في الروايات، في وقت بدأت فيه تصريحات تتحدث عن "شبكات فساد محمية" داخل المواقع المستهدفة.
وفجر الثلاثاء، شهدت محافظتا صلاح الدين وكركوك هجمات متزامنة بطائرات مسيّرة وصواريخ استهدفت مواقع حيوية، أبرزها مصفى بيجي ومحطة الطاقة الحرارية ومطار كركوك الدولي.
وأسفرت الضربات عن أضرار محدودة، من بينها اندلاع حريق قرب البوابة الفاصلة بين القسمين المدني والعسكري في المطار، وإصابة شخص بجروح طفيفة، في حين لم تعلن أي جهة مسؤوليتها حتى الآن.
وجاءت هجمات اليوم امتداداً لسلسلة ضربات مماثلة تعرّضت لها مواقع عسكرية خلال أواخر حزيران، حين استُهدفت قاعدة التاجي شمالي بغداد بطائرات مسيّرة صغيرة، أصابت أنظمة الرادار والدفاع الجوي، ما أدى إلى أضرار مادية كبيرة وانفجار في مستودع للذخيرة تلاه حريق ضخم داخل القاعدة.
كما تعرضت قاعدة الإمام علي الجوية في محافظة ذي قار لهجوم مماثل، طالت فيه المسيّرات مركز الاتصالات والرادار، دون تسجيل إصابات بشرية، وسط صمت رسمي عن الجهة المنفذة.
يرى الخبير في الشأن الأمني والعسكري عماد علو أن "سلسلة الهجمات الأخيرة تُشير إلى وجود عمليات مخابراتية معقّدة تستهدف زعزعة الأمن الداخلي وإرباك المشهد"، مشدداً على أن "توقيت الضربات وتنوع أهدافها يوحيان بمحاولة مدروسة لإعاقة مسار الاستقرار والتنمية الذي تسعى إليه الحكومة"، وفق قوله.
وأضاف علو، لـ"إرم نيوز"، أن "العراق يقع في قلب صراعات إقليمية محتدمة، ما يجعله ساحة مفتوحة أمام اختراقات أمنية متكررة، لا سيما حين يغيب الوضوح والشفافية عن نتائج التحقيقات الرسمية"، معتبراً أن "هذا النمط من الهجمات سيزداد كلما اقتربنا من موعد الانتخابات".
ولم تعلن الحكومة العراقية حتى الآن نتائج التحقيقات الخاصة بالاستهدافات السابقة، مثل قصف قاعدة التاجي وقاعدة الإمام علي في محافظة ذي قار، ما أثار تساؤلات واسعة في الأوساط السياسية والشعبية بشأن غياب الشفافية في التعامل مع هذه الخروقات المتكررة.
وواجهت بعض الميليشيات المسلحة في العراق اتهامات غير معلنة بالوقوف وراء استهداف مواقع عسكرية مثل قاعدة التاجي وقاعدة الإمام علي الجوية، إذ أسفرت الهجمات عن تدمير أنظمة رادار ومراكز اتصالات، ورغم عدم صدور اتهام رسمي من الحكومة، فإن امتلاك هذه الفصائل طائرات مسيرة وتقنيات تشويش زاد الشكوك بشأن دورها المحتمل في تصعيد الضربات داخل العمق العراقي.
بدورها، ألمحت النائبة في البرلمان العراقي عالية نصيف إلى أن بعض الضربات التي استهدفت منشآت حيوية قد تتصل بشكل غير مباشر بملفات فساد داخل تلك المواقع، ما يثير شكوكاً بشأن وجود مصالح متشابكة تسعى بعض الأطراف إلى حمايتها أو التغطية عليها عبر التصعيد الأمني.
وزعمت نصيف، في تدوينة على منصة "إكس"، بأن أحد المدراء العامين في منشأة تعرضت للقصف يملك ممتلكات تقدر بـ70 مليون دولار في أربيل، و30 مليون دولار في تكريت، مضيفة أنه "يقوم حالياً بإنشاء مول تجاري في كركوك، بمساعدة شخصيتين سياسيتين بارزتين، هما (الشعلان والعكيدي)"، وفقق قولها.
ودعت نصيف عبر منشورها هيئة النزاهة إلى التدخل وفتح تحقيق فوري.
ويرى مختصون أن تكرار الهجمات على منشآت حيوية يكشف وجود ثغرات في منظومة الدفاع الجوي العراقية، خصوصاً في ما يتعلق برصد الطائرات المسيرة منخفضة الارتفاع والتعامل معها بشكل فوري.
وتُربَط هذه الهجمات بتداعيات الحرب الإيرانية – الإسرائيلية الأخيرة، التي أعادت خلط الأوراق الأمنية في المنطقة، وسط تقديرات بأن بعض الأطراف تحاول تصدير الصراع إلى الداخل العراقي أو استثماره لإعادة ترتيب موازين النفوذ.
بدوره، رأى الباحث في الشأن السياسي محمد التميمي أن "تصاعد وتيرة الهجمات في هذا التوقيت قد يرتبط بمحاولات مبكرة لإعادة رسم خارطة النفوذ السياسي قبيل الانتخابات المقبلة، عبر استخدام أدوات أمنية لفرض واقع معين".
وأضاف، لـ"إرم نيوز"، أن "جهات داخلية قد تكون معنية بإرباك الساحة وتحجيم خصومها من خلال بث شعور عام بعدم الاستقرار، تمهيدًا لبناء تحالفات انتخابية تحت سقف التهديد الأمني"، لافتاً إلى أن "العراق لا يعيش فقط تحدياً أمنياً، بل صراعاً على من يمسك بالمفاصل الحيوية للدولة، بما فيها الأمن، والاقتصاد، والإعلام".
