logo
العالم العربي

فادي صقر والمرسومي.. عودة "رجالات الأسد" إلى "الواجهة" تثير غضب السوريين

فادي صقر والمرسومي.. عودة "رجالات الأسد" إلى "الواجهة" تثير غضب السوريين
قائد الدفاع الوطني في عهد الأسد فادي صقرالمصدر: وسائل التواصل
11 يونيو 2025، 12:33 م

يتصاعد الجدل في سوريا حول عودة واجهات ورموز النظام السابق إلى مراكز القرار في العهد الجديد، حيث ارتفع منسوب السخط والاستياء في الأيام الأخيرة من موقف السلطة الجديدة تجاه عدة أسماء، على رأسهم قائد الدفاع الوطني في عهد الأسد فادي صقر، الذي أثار ظهوره الأخير برفقة محافظ دمشق غضب السوريين، الذين يتهمونه بالوقوف خلف العديد من المجازر في عهد النظام السابق، ليتحول من "مجرم حرب" إلى أحد أكثر الشخصيات الفاعلة في النظام الجديد.

ولم يقف الأمر عند فادي صقر، حيث تكررت عودة واجهات سابقة لنظام الأسد وإيران إلى حضن النظام الجديد، ليثار الجدل مجددًا حول رجل الأعمال فرحان المرسومي المعروف بقربه من الفرقة الرابعة والميليشيات الإيرانية.

أخبار ذات علاقة

فادي صقر

"سفاح سوريا" يعود إلى دمشق.. من هو فادي صقر؟

 

مقاربة غامضة

ورغم عدم تعليق السلطات السورية في معظم الأوقات على احتجاجات السوريين "الافتراضية"، إلا أن تصاعد حدة الانتقادات ضد فادي صقر، المتهم بالضلوع في مجزرة التضامن الشهيرة، دفع دمشق لعقد مؤتمر صحفي والدفاع عن قرارها بتجاهل ماضيه الدموي "لأهداف تتعلق بالسلم الأهلي".

لكن المؤتمر الصحفي الذي عقده عضو لجنة السلم الأهلي حسن صوفان، أثار المزيد من السخط بسبب "تحديه" لمشاعر السوريين، عبر تقديم إجابات غامضة حول مصير مسؤولي نظام الأسد من جهة، والإصرار من جهة أخرى على تبييض صفحة فادي صقر، عبر الادعاء بأن دورًا كبيرًا لعبه الأخير في سقوط نظام الأسد، ولاحقًا المساهمة في مسيرة السلم الأهلي، وخاصة عقب مجازر الساحل.

وفي تصريح لافت، كشف حسن صوفان، خلال مؤتمر صحفي عقده في دمشق، أمس الثلاثاء، عن مقاربة غامضة في التعامل مع ملفات كبار مسؤولي نظام الأسد السابق، وعلى رأسهم وزير الداخلية الأسبق محمد الشعار، ورئيس فرع الأمن السياسي في درعا سابقًا عاطف نجيب، اللذين ينتظر الشارع السوري محاكمتهما بفارغ الصبر.

وردًا على سؤال حول مصير هذين الاسمين، اللذين ارتبطا بجرائم وانتهاكات جسيمة على مدى سنوات، قال صوفان: "هناك كثير من الشخصيات يتم التعامل معها بدقة عالية نظرًا لحساسية وخطورة المعلومات التي تملكها والمسارات التي كانت تعمل عليها، وفي الأيام القادمة سيتم الإفصاح للرأي العام عن بعض الإجراءات التي تم اتخاذها".

فادي صقر "يفكك العُقد"

في رده حول سؤال يتعلق برجالات النظام السابق، قال صوفان إن شخصيات مثل فادي صقر تلعب دورًا في تفكيك العقد، وحل المشكلات، ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها البلاد، مضيفًا: "نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا مضطرون لاتخاذ قرارات تؤمّن استقرارًا نسبيًا في هذه المرحلة".

لكن رده لم يعجب السوريين، بل زاد من استيائهم، وأثار ردود فعل غاضبة؛ ما اضطر وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى للخروج في نفس اليوم بمقابلة عبر المحطة التي كان يديرها قبل توليه وزارة الإعلام (تلفزيون سوريا)، للتخفيف من آثار الغضب الشعبي بعد حديث صوفان، الذي اعتُبر دفاعًا عن بعض رجالات النظام السابق.

في حديثه، أكد وزير الإعلام السوري أن الحكومة السورية تقترب من إعلان خريطة طريق للعدالة الانتقالية، مشيرًا إلى أن هذا المسار قد بدأ فعليًا من خلال تشكيل هيئة مستقلة ذات صلاحيات واضحة، وأن اللجنة الوطنية للعدالة ستعرض طروحاتها قريبًا.

وقال المصطفى إن جميع ردود الفعل على المؤتمر الصحفي لعضو اللجنة العليا للسلم الأهلي، حسن صوفان، "مفهومة، وكل مباعث القلق يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار، حتى الغضب مشروع، لأن الأمر يتعلق بالذاكرة، ولأن هذه القضايا لا تحتمل النسيان".

أخبار ذات علاقة

ماهر الشرع (يمين) ومحمد صالح ياسين (يسار)

برفقة شقيق الشرع.. وزير سوري يثير ضجة بزيارة "ذراع ماهر الأسد" (فيديو)

 

"المرسومي" من جديد

لم يكد الشارع السوري يهدأ تجاه قضية فادي صقر، حتى انتفض بسبب تعويم اسم آخر من المحسوبين على نظام الأسد وإيران، حيث عاد اسم فرحان المرسومي للواجهة من جديد، عقب ظهور قرار حكومي يسمح له رسميًا بترخيص شركة لصناعة وتجارة التبغ والمعسل داخل سوريا.

القرار الذي يحمل الرقم "530" والصادر عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أثار ردود فعل متباينة بين انتقاد واستغراب وتساؤلات حول المعايير التي تعتمدها الحكومة في منح مثل هذه التراخيص لشخصيات محسوبة على نظام الأسد وإيران.

بحسب نص القرار المنشور في الجريدة الرسمية السورية، بات بإمكان شركة "المرسومي للتبغ والمعسل" استيراد وتصدير وتوزيع منتجات التبغ والمعسل والسجائر، إضافة إلى المعدات اللازمة لإنتاجها. وأُجِيز الترخيص بيع هذه المنتجات بالجملة والتجزئة، والمشاركة في المناقصات مع القطاعين العام والخاص.

وعُرف عن فرحان المرسومي ارتباط اسمه بعمليات تهريب الدخان والمخدرات في مناطق شرق سوريا، عبر معبر القائم، بالتنسيق مع الفرقة الرابعة، وبأنه أحد الأذرع الإيرانية الفاعلة في سوريا، خاصة في محافظة دير الزور، حيث ساهم في تجنيد سوريين لصالح الفوج الإيراني "47".

واتهم قانونيون واقتصاديون الحكومة السورية الحالية باعتماد نهج يهدف إلى إعادة إنتاج شبكات النظام السابق اقتصاديًا، ومنح رموزه فرصة الظهور في العلن تحت عناوين "الاستثمار" و"التعافي الاقتصادي" و"السلم الأهلي"، بينما يُستبعد أصحاب الكفاءات الحقيقية بالمطلق، وفق قولهم.

إرباك بنيوي

الباحث والكاتب السياسي السوري، مالك الحافظ، يفهم الجدل المثار حول إعادة تعويم مسؤولي النظام السابق وواجهات إيران، بوصفه انعكاسًا لحالة من الإرباك البنيوي داخل السلطة الانتقالية، بين حاجتها لإثبات قدرتها على الحكم و"تطويع" أدوات النظام السابق، وبين ضغط الرأي العام الراغب في قطيعة حقيقية مع الماضي الاستبدادي.

ويشير إلى أن التعاون مع شخصيات ارتبطت بالفساد أو القمع لا يبدو أنه يأتي من موقع قوة سياسية، بل من حسابات براغماتية ضيقة مرتبطة بالحفاظ على التماسك الداخلي في ظل فراغ مؤسسي عميق.

اللافت هنا، وفقًا للحافظ، أن هذا الجدل "يكشف عن التقاء غير معلن بين منطقَي الاستبداد السابق والحكم الانتهازي الراهن". فبدلاً من فتح حوار وطني حقيقي يؤسس لمرحلة مختلفة، نجد أن السلطة الانتقالية تكرّس مفهومًا متهافتًا للواقعية السياسية، حيث يتم تأبيد الأجسام/الأطراف المشبوهة في مفاصل الدولة الوليدة باسم "الضرورة"، ويتم تغليف عجزها عن اجتراح النخب الجديدة بعبارات فارغة عن "الخبرة" و"الواقعية". مشيرًا إلى أن ما يجري هو إعادة تأهيل للمنظومة نفسها عبر واجهات ملوّنة بلون المرحلة الانتقالية الراهنة.

دوافع سياسية وظيفية

يرى الباحث الحافظ أن الدافع الأساسي وراء إعادة تعويم واستخدام رجالات نظام الأسد قد يكون سياسيًا ووظيفيًا، فالسلطة تسعى لاستثمار "النفوذ الشبكي" الذي يمتلكه هؤلاء في قطاعات معينة لتجاوز التعقيدات التي لا تستطيع آليات السلطة الحالية التعامل معها منفردة. "فادي صقر مثلاً يمثل نموذجًا "هجينًا" يجمع بين ولاءات قديمة ومرونة ميدانية، ما يجعله مفيدًا في مهام مرحلية، لكن هذا لا يعني أن استمراريته مضمونة"، فالسلطة الانتقالية الحالية لا تبني على الولاء، بل على المنفعة اللحظية، على حد تعبيره.

أخبار ذات علاقة

 الجولاني بربطة عنق

من 3 أشهر إلى 4 سنوات.. لماذا أطال الشرع أمد المرحلة الانتقالية؟

 

ويشبه الحافظ ما تفعله السلطة الانتقالية هنا بمن يستعير سم الأفعى لتسكين الألم بدلًا من علاجه، موضحًا أنه لا يمكن قراءة هذا التعاون إلا بوصفه اعترافًا ضمنيًا بأن السلطة بلا قاعدة اجتماعية صلبة، ولا مشروع سياسي جامع، فتحتمي بمخلفات الأجهزة السابقة، وتُعيد تدوير أدوات النظام السابق تحت شعار "المرحلية".

الأسوأ من ذلك، كما يقول، أن هذا النمط يعيد إنتاج ذات المنظومة التي فجّرت الثورة أصلًا، وهي شبكة مصالح فوق وطنية، معزولة عن المحاسبة، ومبنية على الزبائنية. فحتى إن غيّرت أسماءها، فالعقل نفسه ما زال يدير اللعبة.

من جهة أخرى، يلفت الحافظ إلى أن عودة رجل الفرقة الرابعة وإيران، فرحان المرسومي، تكشف عن عمق التشابك بين "المرحلة الانتقالية" وبين الشبكات العميقة للنفوذ الأمني للمرحلة السابقة، مضيفًا "من يعرف سجل المرسومي يدرك أنه ممثل لنهج كامل قائم على تسليع الدولة وتسخيرها لمصالح فوق وطنية، وإعادة استخدامه تُعبّر عن تقاطع مصالح بين جهات ترفض أي مشروع وطني حقيقي يعيد للسوريين كرامتهم"، وهذه العودة، ببساطة، تثبت أن "الانتقالية" لا تعني سوى انتقال السيطرة من يد إلى يد، دون تغيير في البنية ولا في الأخلاق.

مقامرة خطرة

يبين الكاتب السوري أن السلطة الانتقالية، في بنيتها الراهنة، لا تبدو مستقرة بما يكفي لتحسن إدارة العلاقات مع هذه الشخصيات على أساس استراتيجي. لذلك، فإن التخلص من بعضهم بعد انتهاء "الوظيفة الظرفية" أمر وارد جدًّا وهو المتوقع من السلطة الانتقالية. لكن في الوقت ذاته، الاحتفاظ بهم اليوم يدخل ضمن مسار الإيحاء بأن هناك "رجال مهام" مؤقتين يسهمون في تفكيك التعقيدات.

إلا أنه يرى بأن "الرهان على امتصاص الغضب الشعبي دون تغيير البنية العميقة للسلطة، هو في حد ذاته مقامرة خطرة، قد تكلف السلطة الانتقالية شرعيتها الهشة مستقبلاً، ذلك أن ما يغيب عن خطاب السلطة أنها تتعامل مع الغضب الشعبي كعَرَض، وتتجاهل أن الذاكرة الجمعية للسوريين أعمق من استعراضاتها ومراوغاتها"، على حد تعبيره، وهو ما يعبر عنه اليوم برسالة مقلقة تبين الاختزال القاتل لمعنى "المرحلة الانتقالية"، وتحويلها من فرصة تأسيسية إلى لحظة امتهان جديدة، وفقًا للحافظ.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC