يعيش مطار دمشق الدولي واقعًا أمنيًّا عصيبًا جراء استهدافه المتكرر مِن قِبل الجيش الإسرائيلي، فلا تكاد تمر ساعات على عودته للخدمة، إلا وتعيد ضربات جديدة تعطيله وإخراجه عن الخدمة، بحسب بيانات رسمية للجيش السوري.
واستمر القصف الإسرائيلي على مواقع داخل سوريا، وبلغ منذ بداية العام الحالي، 55 هجومًا، طال أهدافًا مختلفة، قيل إنها مواقع ميليشيات موالية لإيران، آخرها، مبنى قيد الإنشاء لفندق في منطقة السيدة زينب قرب دمشق، أوقع قتيلين اثنين وأضرارًا مادية.
ويرى محللون وخبراء عسكريون سوريون تحدَّث إليهم موقع "إرم نيوز" من العاصمة دمشق، أن "استهداف إسرائيل المتكرر لمطار دمشق ومحاولة إبقائه خارج الخدمة، بالتزامن مع الحرب في غزة، يحمل رسائل سياسية بلغة النار، بدليل محدودية الضربات واستهدافها مدرجات المطار دون أن تحدث دمارًا في بنيته التحتية".
وفي هذا الإطار، قال عضو المكتب السياسي في الحزب القومي السوري الاجتماعي طارق الأحمد: "يأتي هذا الاعتداء ضمن مجموعة من الأهداف الحيوية للضغط على الدولة السورية، لاتخاذ مواقف سياسية معينة وتحييد الجبهة السورية".
وأضاف "وبالتالي، فإن كل ما يسوقه العدو الصهيوني من مبررات عن استهدافه مواقع وشخصيات إيرانية هي مجرد حجج واهية، والمسألة برمتها تتعلق بما يحدث في الإقليم، بدليل أن الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا لم تتوقف منذ 2011، لكن، عندما بدأت الحرب على غزة كان هناك اعتداءات غير مسبوقة على المطارات بهدف تعطيلها وبشكل متعمد"، وفقًا لقوله.
ومن جانبه، اعتبر المحلل السياسي السوري كمال جفا، أن "القرار الإسرائيلي بتعطيل المطار هدفه إيصال رسائل سياسية، لتحقيق ما يشبه تنازلات أو صيغة تفاهم مع القيادة السورية أو تحجيم الدور السوري -إنْ صحَّ التعبير- بوقف التسهيلات والدعم اللوجستي مع أطراف محور المقاومة".
وتابع جفا: "اعتدنا على ألا يكون هناك أي تنازلات من جانب الدولة السورية بالضغوطات والاستهدافات المستمرة منذ أكثر من 12 عامًا، وبالتالي، باعتقادي، قد تلجأ القيادة السورية إلى إمكانية أن يكون هناك تنسيق ما مع الجانب الروسي أو جهات دولية أخرى لتحييد المطار وتأمين حماية له، وعدم الدخول في صدام مباشر في الظروف الحالية مع إسرائيل، من خلال الرد داخل العمق الإسرائيلي".
واستطرد: "لأن ذلك ربما سيؤدي إلى ردات فعل إسرائيلية ترى سوريا أنها ليست مستعدة للدخول فيها من عمليات تبادل قصف أو فتح جبهات بسبب وضع القوات السورية المنتشرة على جبهات تعتبرها أكثر أهمية وإستراتيجية حاليًّا، وهي جبهات إدلب وشمال شرق سوريا، والجزء الأهم المنتشر في مناطق شاسعة مهمتها تأمين حماية المنشآت الحيوية والطرق الدولية في العراق، والتي تتعرَّض بشكل دائم لهجمات من قبل تنظيم داعش".
وبدوره، اعتبر مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، أن استهداف المطارات كان رسالة إسرائيلية واضحة لإيران ودمشق بأن المطارات هي فقط رسالة بأن كل شيء سيدمر في سوريا في حال دخلت إسرائيل الحرب في إطار ما يُعرف بمحور المقاومة، أو فتح الجبهات في إطار الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين في الحرب الإسرائيلية على غزة، وجاء ضرب المطارات كاستهدافات استباقية كي لا تفكر دمشق بالانخراط في هذه الحرب عبر الجولان السوري المحتل.
وفيما يخص موضوع التنسيق السوري الروسي لتحييد المطارات عن الضربات الإسرائيلية، قال عبد الرحمن إن روسيا اتفقت في الحقيقة مع دمشق من أجل تحييد المطارات. لكن إسرائيل في الآونة الأخيرة لم تعد تهتم للتنسيق مع روسيا، وباتت تستهدف المطارات بشكل أساس ونتحدث هنا عن سبعة استهدافات للمطارات من قبل الإسرائيليين سواء في حلب أو دمشق لذلك تم الاستعاضة عن المطارين بمطار حميميم في اللاذقية والذي يحوي جزءٌ منه قاعدة عسكرية روسية.
فيما استبعد الباحث والخبير السياسي والعسكري السوري اللواء محمد عباس، إمكانية تحقيق التنسيق الروسي الإسرائيلي لتحييد المطار، وقال "روسيا لا تملك أدوات للضغط على إسرائيل لوضع قواعد جديدة للتعامل أو ردع الغارات".
وأضاف "أعتقد أن الصراع متواصل، ولا أفق أو مؤشرات في الوقت القريب لنهايته. إسرائيل ستواصل محاولاتها باستفزاز سوريا، لإنهاك وسائط دفاعها الجوي واستنزاف قدراته القتالية، وإطالة أمد الحرب، وإيقاع خسائر مادية وبشرية، وزيادة حالة اليأس والتحريض، في سياق حرب نفسية، باستهداف مواقع عسكرية إستراتيجية كالمطار دون أن يكون هناك أي رد من قبل الدولة السورية.
صمت روسي
ولا تعلق روسيا في الغالب على الاستهداف الإسرائيلي لسوريا، وذلك في إطار ما يوصف بالتنسيق الواضح والمعلن بينها وبين إسرائيل بشأن الضربات العسكرية الأخيرة في سوريا والتي تنفذها بشكل متواتر، بموجب ما يسمى آلية منع التصادم العسكري بحيث يتم إخطار كل طرف للآخر عن الأهداف التي ينوي ضربها في وقت مسبق.
ولكن، وخلافًا لسياسة الصمت التي سارت عليها لسنوات، انتقدت موسكو الهجوم على مطار دمشق، وحذَّرت من التصعيد، وطالبت بوقف ما وصفتها "التصرفات غير المسؤولة التي تعرّض حياة الأبرياء للخطر" وقالت "ندين بشدة الهجوم الاستفزازي الأخير لإسرائيل على منشأة مهمة للبنية التحتية المدنية السورية".