كانت المشاهد من قلب دمشق لعناصر أمنية تعتدي على روّاد مطاعم وأماكن ترفيه صادمة، وحملت مؤشرات مقلقة لناشطي حقوق الإنسان، ورغم قول السلطات إنها أحالت متورطين إلى القضاء، فإن بعضها يبدو دليلًا على حالة "اللا اسقرار" الأمني والسياسي في البلاد.
وأظهرت مشاهد فيديو مأخوذة من كاميرات المراقبة، مسلحين وهم يطردون بالسياط مواطنين في ملهى ليلي في العاصمة السورية، ثم وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان حادثة أخرى لاقتحام ملهى "الكروان"؛ ما أدى إلى مقتل راقصة وإصابة عدد من الأشخاص.
هجومان مسلحان شهدتهما دمشق على ملهيين ليليين خلال أسبوع واحد؛ ما أثار مخاوف من تزايد القيود على الحريات الشخصية في ظل الإدارة الانتقالية الجديدة، وهو ما يعتبره الكاتب والمحلل السياسي، رجا طلب، تطورًا خطيرًا يضاف إلى سلسلة التحديات التي تمرّ بها سوريا الجديدة.
وبعد تحدي توحيد سوريا جغرافيًّا الذي لم يُنجز بعد، يأتي التحدي الأكبر، بحسب رجا طلب، في الإبقاء على "الطابع المدني والعلماني للدولة السورية"، خصوصًا أن الذين أزاحوا نظام بشار الأسد ويتولون الحكم يمثلون "تيار إسلام سياسي عليه الكثير من اللغط وعلامات الاستفهام".
ويعتقد رجا طلب في تصريحات لـ "إرم نيوز" أن تحدي "العلمنة" ليس سهلًا، خصوصًا أنه مرتبط بـ "وحدة الجغرافيا" بشكل ما، بدليل الأحداث الدامية في الساحل السوري حيث الطائفة العلوية، ثم المواجهات المسلحة في المناطق الدرزية جنوب دمشق.
ويرى أن مشاهد المسلّحين الملتحين وهم يدخلون المطاعم والملاهي الليلية، ويعتدون بـ "سادية" على مرتاديها، تؤكد أن إدارة الرئيس أحمد الشرع تواجه تحديًا غير بسيط، "إما مواجهة الأسلمة ومّا الإبقاء على العلمنة التي كانت سائدة في سوريا لعقود طويلة".
ويضيف أن عدم التعامل بواقعية مع هذا التحديث سينتج عنه "تفسخ المجتمع السوري"، يضاف إلى الانقسامات الإثنية والدينية "غير البسيطة"، داعيًا الدولة السورية الجديدة إلى السيطرة على تلك المجموعات المنفلتة، واحتوائها ولو بالقوة.
ويرى المحلل السياسي، ورئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، الدكتور خالد شنيكات، أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها دمشق من انفلات وتعدٍّ على الحريات الشخصية، تنبئ بمخاطر كبيرة مرتبطة بالأساس بانفلات السلاح، وتعدد الأجهزة الأمنية غير المدرّبة، يضاف إليها قلة خبرة النظام السياسي الجديد.
ويقول في تصريحات لـ "إرم نيوز" إن "الحكومة المركزية في دمشق لا تزال تتلمس طريقها"، وتعاني قلة الخبرات لبناء مؤسسات أمنية وسياسية والتي لم تأخذ بعد شكلها النهائي، مشددًا في المقابل أن عليها الإسراع في إدارة الأمور، قبل انزلاقها والعودة إلى الإرث الدامي الذي شهدته البلاد منذ العام 2011.