كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن إعادة جثمان هدار غولدين قد تكون حتى اليوم الزناد السياسي الذي يدفع خطة ترامب بشأن غزة إلى "المرحلة الثانية"؛ لكن هذا الزناد ليس آلياً؛ فهو يمر عبر مشهد داخلي إسرائيلي حساس، ضغوط أمريكية ودولية، وميزان قوى عسكري وتقني على الأرض في رفح.
تتميز عودة جثمان غولدين بوزن رمزي هائل داخل الساحة الإسرائيلية، خصوصاً لدى اليمين والقاعدة الناخبة التي تولي أهمية قصوى لاستعادة الجنود والقتلى.
هذا الزخم الرمزي يمنح رئيس الوزراء ورقاً تفاوضياً داخلياً: بإمكان نتنياهو استخدام تسليم الرفات كدليل ملموس على "إنجاز" يمكن تقديمه لنوابه والشارع، ما يخفف من المقاومة الداخلية أمام تنازلات ملموسة مثل تخفيف القيود على عبور نفق رفح أو إطلاق سراح أسرى محددين.
ومن منظور واشنطن والوسطاء الدوليين، فإن إظهار تقدم ملموس في ملف الجنود يخلق مناخ ثقة سياسيا يمكن استثماره للانتقال إلى بنود المرحلة الثانية من خطة ترامب، بما في ذلك ترتيبات نزع السلاح الجزئي أو تشكيل قوة دولية للمراقبة وإطلاق عملية إعادة إعمار.
محددات المساومة
وبحسب الصحيفة، فإن الحافز الرمزي يواجه قيوداً عملية واستراتيجية؛ فأولاً، خصم المفاوضة، حماس، قد يستغل توقيت تسليم جثمان غولدين لمساومة مقابل شروط محددة، لا سيما إطلاق نحو 200 عنصر محاصر في رفح.
تمثل إسرائيل بدورها أمام جمهورها رفضها منح "ممر آمن" دون ضمانات فعلية للتسليم والامتناع عن العودة إلى العمل المسلح.
وهذا يطرح آلية تنفيذية معقدة: هل سيقبل الطرفان بنقل هؤلاء العناصر إلى مناطق تسيطر عليها حماس مع شروط تفتيش وتسليم السلاح؟ هل ستتولى قوة دولية التحقق من تنفيذ الالتزامات؟
ثانياً، هناك ضغوط أمريكية حقيقية لتثبيت وقف النار وتجنّب تجدد القتال؛ ما يمنح إدارة ترامب هامش ضغط دبلوماسي على تل أبيب؛ لكن هذا الضغط يعتمد على قدرة واشنطن على تقديم حوافز بديلة لإسرائيل كضمانات أمنية أو دعم استخباراتي لتقليل المخاطر المترتبة على الإفراج الجزئي عن أسرى.
وأخيراً، مدة واستدامة أي تسوية مرتبطة بقضايا أوسع: تشكيل حكومة غزة، آليات إعادة الإعمار، وضمانات لمنع إعادة التسليح.
مخاطر التنفيذ ومسارات لتخفيفها
ذكرت الصحيفة أن الانتقال إلى "المرحلة الثانية" تحت وطأة ضغط رمزي وإعلامي قد يولّد مخاطر تنفيذية تتجاوز الربح السياسي المؤقت.
في البداية، إطلاق سراح أعداد كبيرة من عناصر مسلحة دون عملية نزع سلاح فعالة قد يؤدي إلى تجدد الأعمال العدائية وسط غياب آليات رصد صارمة؛ ثانياً، أي تفاهم يُفهم كتنازل أحادي قد يثير شرخاً في التحالفات الإقليمية ويحفّز فواعل إقليمية (مثل تركيا أو إيران) على استغلال الفراغ السياسي.
ولتقليل هذه المخاطر، ينبغي أن تُبنى المرحلة الثانية على مبادئ واضحة: ترتيبات مؤقتة ومحددة زمنياً لإطلاق سراح عناصر محددين مع إجراءات تحقق دولية ملموسة، حزمة إعادة إعمار مرتبطة بمعايير أمنية قابلة للقياس، وإطار لمراقبة ومحاسبة سريع الفاعلية.
كما أن إدراج عناصر تدريجية، وإطلاق سراح مشروط متدرج مقابل خطوات تحقق مثبتة، سيمنحان إسرائيل غطاء سياسياً لتمرير التنازلات ويقدّمان للوسطاء مصداقية لادعاء نجاح التفاوض.
في الخلاصة، إعادة جثمان هدار غولدين قادرة على دفع عجلة خطة ترامب نحو المرحلة الثانية لكنها ليست سبباً كافياً وحدها.
تحويل هذا الدافع الرمزي إلى إنجاز تفاوضي مستدام يتطلّب هندسة سياسية دقيقة: شروط تنفيذية، ضمانات دولية، وآليات تحقق قابلة للتطبيق.
من دُون ذلك، قد تتحول المعادلة إلى مكسب رمزي قصير الأمد يفتح باباً لتجدد الصراع بدلاً من أن يغلقه.