ترامب يعلن أنه سيوجّه "خطابا إلى الأمة" الأربعاء

logo
العالم العربي
خاص

"خطة عون".. لبنان يتحرك لاستعادة زمام الأمور على حدوده الجنوبية

قرية كفركلا الحدودية جنوب لبنانالمصدر: (أ ف ب)

بدت مبادرة الرئيس اللبناني جوزيف عون، في الذكرى الـ82 لاستقلال بلاده محاولة لوضع مقاربة لبنانية واضحة لملف الجنوب بعد عام كامل على وقف إطلاق النار؛ فالنص الذي قدّمه الرئيس حمل هيكلاً من 5 بنود يقدّم تصوراً عملياً لما تستطيع الدولة أن تفعله، وما تتوقع أن يتكامل مع دعم دولي وإقليمي.

المبادرة تُظهر إدراكاً بأن إدارة الحدود الجنوبية لم تعد تحتمل الغموض، وأن الدولة تحتاج إلى صيغة تُترجم حضورها عبر خطوات قابلة للمتابعة والتقييم؛ من استعداد الجيش اللبناني لتسلّم النقاط الحدودية، إلى آليات الرقابة الدولية، وصولاً إلى رعاية سياسية واقتصادية تُعيد إعمار المناطق المتضررة، وتمنح المسار برمته قاعدة صلبة للانطلاق.

بهذه المقاربة، يضع الرئيس أساساً لنقاش جديد داخل لبنان وخارجه حول شكل الدور الذي يمكن للدولة أن تلعبه في الجنوب، وما إذا كان هذا الطرح يشكّل بداية انتقال نحو صيغة أكثر استقراراً في واحدة من أكثر المناطق حساسية في البلاد.

أخبار ذات علاقة

جوزيف عون

تشمل سلاح "حزب الله".. عون يكشف عن خطة أمنية لإنهاء التوتر مع إسرائيل

 

ملامح مقاربة لبنانية جديدة

وتشير معلومات خاصة لـ"إرم نيوز" من دوائر سياسية لبنانية مطلعة إلى أنّ مبادرة عون جاءت نتيجة مشاورات هادئة جرت، خلال الأسابيع الماضية، داخل مؤسسات الدولة حول كيفية التعامل مع مرحلة ما بعد مرور عام على وقف إطلاق النار.

وبحسب المعطيات، فإن ما أعلنه الرئيس يشكّل الإطار الأكثر وضوحاً الذي تقدّمه بيروت منذ فترة طويلة، والمرّة الأولى التي تصوغ فيها الدولة تصوراً كاملاً لمسار قابل للبحث مع الجهات الدولية، يتضمّن جدولاً زمنياً وتفاصيل حول دور الجيش والآلية الرقابية المطلوبة وترتيبات التفاوض المقبلة.

وتوضح المصادر أنّ القيمة الأساسية للمبادرة تكمن في أنها تعكس قراراً سياسياً بأن تتولّى الدولة بنفسها تقديم صيغة متكاملة لما تريده على الحدود الجنوبية، بعدما بقي الملف لسنوات محكوماً بوقائع الميدان أو بالمقاربات الجزئية. وتضيف أنّ البنود الخمسة تُطرح كأساس تفاوضي تسعى الدولة من خلاله إلى اختبار مدى استعداد الأطراف المعنية، لا سيما الأمم المتحدة والدول الخمس والجهات الراعية، للتعامل مع الجيش كمرجعية كاملة في المنطقة الممتدة من الناقورة حتى زمّاريا، بما يشمل النقاط التي ما زالت إسرائيل تحتلها وآلية تثبيت وقف الاعتداءات.

وتلفت هذه المصادر إلى أنّ توقيت الإعلان لم يكن بفعل أية ضغوط خارجية، فبيروت تدرك أن المرحلة الراهنة رغم تعقيداتها، تتيح مساحة لإعادة صياغة دور الدولة في الجنوب مستفيدة من تبدّل المزاج الإقليمي وتراجع الاهتمام الدولي بالمقاربات الصدامية. لذلك جاء الطرح بصيغته الحالية؛ واضح بما يكفي ليكون قاعدة نقاش، ومحكوم بحذر سياسي لا يضع البلاد أمام اختبارات لا قدرة لها على تحمّلها، من دون أن يتخلّى عن الهدف المركزي وهو تثبيت الدولة كصاحبة القرار الوحيد في ملف الحدود.

القراءة الأمريكية للمبادرة

على الضفة الأمريكية، تكشف معطيات دبلوماسية أمريكية أنّ واشنطن تتابع المبادرة بخليط من الاهتمام والحذر، وتضعها في خانة "الفرص القابلة للاختبار"، وليس في خانة المسارات المحسومة. وبحسب ما تحدثت هذه الأوساط لـ"إرم نيوز"، فقد لفتت الإدارة الأمريكية أنّ الدولة اللبنانية قدّمت، للمرة الأولى، طرحاً متكاملاً يربط بين أمن الحدود، وانتشار الجيش، والضمانات الدولية، وإعادة الإعمار، ضمن تصور واحد يسمح بقياس مستوى التقدم ووضوح الالتزامات. وهذه المقاربة، من وجهة واشنطن، تختلف عن الصيغ السابقة التي بقيت أقرب إلى مواقف سياسية عامة من دون هيكل تنفيذي أو جدول زمني.

أخبار ذات علاقة

النائب وضاح الصادق يتحدث في مؤتمر صحفي

نائب لبناني لـ"إرم نيوز": "حزب الله" آخر ورقة لإيران ويدفع لبنان للانتحار

وتشير المعلومات الخاصة إلى أنّ الجانب الأمريكي يرى في البنود الخمسة إطاراً يمكن البناء عليه إذا ظهرت في بيروت إرادة سياسية قادرة على تحويل الطرح إلى سلسلة خطوات تدريجية، ولو في نطاق محدود في المرحلة الأولى. فالإدارة الأمريكية لا تتحدث عن دعم مفتوح أو عن تغيير جذري في قواعد التعامل، لكنها تُظهر وفق ما تسرّب من أروقتها استعداداً لإعادة وصل القناة السياسية مع الرئاسة اللبنانية والتعامل بجدية مع أي جهد رسمي يهدف إلى تثبيت الدولة كمرجعية وحيدة في الجنوب، إنْ ضمن الأمم المتحدة أو ضمن الصيغة التي تقترحها "اللجنة الخماسية".

بين تقليص النفوذ الإيراني واستقرار الحدود

ومع أنّ  واشنطن تدرك هشاشة الوضع اللبناني والقيود الداخلية التي تواجه أي قرار رسمي كبير، إلّا أنّها تعتبر أنّ المبادرة تتيح مساحة يمكن استخدامها للحدّ من الهوامش التي راكمها النفوذ الإيراني في السنوات الماضية، لكن بطريقة تدريجية لا تخلق فراغاً ولا تؤدي إلى اشتباك داخلي. وفي هذا السياق، يركّز الأمريكيون على بندين تحديداً؛ أولهما استعداد الجيش لتسلّم النقاط الحدودية المحتلة، والآلية الدولية التي تتولى مراقبة بسط سلطة القوى النظامية في جنوب الليطاني. فهذان البندان يشكّلان، من منظور واشنطن وفق مصادر "إرم نيوز"، المدخل الأكثر واقعية لفتح مفاوضات لاحقة حول استقرار طويل الأمد على الحدود.

وتوضح هذه الأوساط أن الإدارة الأمريكية لا تنتظر من بيروت خطوات سريعة أو تحوّلات كبرى، لكنها تسجّل أن الدولة اللبنانية عملت على تقديم مبادرة تُظهر أنها تريد أن تكون طرفاً أساسياً في رسم مستقبل الجنوب، وليس مجرد طرف يتفاعل مع ما يفرضه الميدان. وهذا بحد ذاته، بحسب القراءة الأمريكية، تطور يستحق المتابعة لمعرفة ما إذا كان سيُبنى عليه خلال الأسابيع المقبلة، أم سيبقى ضمن نطاق الخطاب السياسي من دون ترجمة عملية.

إعادة تموضع الدولة في الجنوب

الباحث اللبناني المتخصص في السياسات الأمنية والتحوّلات الإقليمية، كريم الأسعد، يرى خلال حديثه لـ"إرم نيوز" أنّ مبادرة الرئيس عون تمثّل محاولة لترتيب العلاقة بين الدولة والحدود قبل ترتيب العلاقة مع الأطراف الداخلية، وهي نقطة يعتبرها جوهرية في القراءة اللبنانية للمشهد. برأيه، تكمن أهمية البنود الخمسة في إعادة تعريف ما تستطيع الدولة أن تطرحه على الطاولة، وفي نقل لبنان من موقع ردّ الفعل إلى موقع عرض الخيارات الممكنة.

ويعتبر الأسعد أنّ الدولة اللبنانية، عبر هذه المبادرة، تحاول حياكة صيغة تتناسب مع توازن القوى الواقعي. وما يلفت الباحث اللبناني هو أنّ البنود الخمسة تتعامل مع الجنوب كمسار طويل وليس كملف منفصل، أي كجزء من إعادة تنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع الدولي، وبين الجيش والدور الأمني، وبين لبنان وخريطة التفاهمات التي ترسمها القوى الكبرى في المنطقة.

ويشير إلى أنّ التحدي الأهم يكمن في قدرة الدولة على تثبيت سرديّة جديدة حول الجنوب، كسرديّة تحظى بحدّ أدنى من الإجماع الداخلي، وتضع حزب الله أمام واقع سياسي مختلف؛ من حيث وجود مرجعية رسمية تقترح مساراً واضحاً، وتطلب التفاعل معه، بدل الاكتفاء بإدارة الأمر الواقع. وبرأيه، فإن المسار ولو بدا نظرياً في بدايته، سيحرّك شيئاً من توازن القوى ويجعل المبادرة "رقماً صعباً في الحسابات الداخلية والخارجية"، خاصة إذا التقطت الأطراف الإقليمية الرسالة اللبنانية الجديدة.

أخبار ذات علاقة

وزير الدفاعي اللبناني ميشال منسى (وسط)

وزير الدفاع اللبناني: الجيش يواصل تنفيذ خطة حصر السلاح

المبادرة كنافذة تفاوضية

بينما اعتبر جيسي مارشال، الخبير الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط والأمن الدولي، خلال حديثه لـ"إرم نيوز" أنّ المبادرة اللبنانية تُقرأ في واشنطن على أنها محاولة لفتح نافذة سياسية قبل أن تتجمّد خطوط التماس مجدداً عند حدود ما أنتجته مواجهات العام الماضي. ويعتبر أن أهم ما في المبادرة هو تقديم إطار يمكن البناء عليه، لأن الولايات المتحدة تتعاطى عادة مع العروض التي تحمل ملامح مسار تفاوضي، مهما كان أولياً.

من وجهة نظره، فإن واشنطن تراقب عنصرين أساسيين في مبادرة عون؛ الأول، استعداد الجيش لتسلّم النقاط الحدودية ضمن جدول قابل للتفاوض؛ والثاني، طرح آلية رقابية دولية واضحة.

هذان العنصران، كما يقول مارشال، يفتحان أمام الإدارة الأمريكية إمكانية التعامل مع لبنان بوصفه "طرفاً يريد أن يرتّب دوره" وليس كدولة تتلقى المساعدات فقط.

ويرى أنّ الولايات المتحدة لن تنظر إلى المبادرة بوصفها محاولة لتغيير قواعد الاشتباك الإقليمي، بل كجزء من "إدارة المخاطر" التي تحاول واشنطن تكريسها في المنطقة. فالمبادرة لا تستفزّ التوازنات القائمة، ولا تسعى إلى إضعاف حزب الله صراحة، لكنها تعيد إدراج الجيش اللبناني ضمن سياق إقليمي أوسع يتعلّق بتثبيت الاستقرار، ومنع الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة.

ويضيف مارشال أنّ نجاح المبادرة يعتمد على ما إذا كانت بيروت قادرة على تحويل البنود الخمسة إلى "نقاط تفاوض مشتركة"، لأن الولايات المتحدة تميل إلى دعم الخطوات التي تُبنى بالتراكم لا عبر القفزات الحادّة. ويرى أنّ المبادرة، إن استمرت بصيغتها الحالية، ستتيح لواشنطن إعادة اختبار حضور الدولة اللبنانية، وتحديد حدود الدعم الممكن في مرحلة يُعاد فيها رسم خريطة النفوذ بين طهران وتل أبيب، وتبحث فيها الولايات المتحدة عن شركاء قادرين على إدارة الاستقرار وليس فقط المطالبة به.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC