في ظل الانسداد السياسي وتصاعد الخلافات حول المرشح لمنصب رئاسة الوزراء في العراق، تُثار تساؤلات عن المبادرة التي أطلقها ائتلاف "الإعمار والتنمية" بزعامة محمد شياع السوداني، ومدى قدرتها على إعادة ضبط مسار التفاوض داخل قوى البيت الشيعي.
ومؤخرًا، أطلق رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مبادرة سياسية شاملة، أعلن من خلالها ائتلاف "الإعمار والتنمية" عزمه طرح رؤية متكاملة لمعالجة الانسداد القائم في ملف اختيار رئيس الحكومة المقبلة.
ولا تزال المنافسة على منصب رئاسة الحكومة محصورة عمليًا بين السوداني نفسه، ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، إلى جانب رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، في ظل تباين واضح داخل الإطار التنسيقي بشأن هوية المرشح الأنسب للمرحلة المقبلة.
وتشير معطيات سياسية إلى أن بقية الأسماء المتداولة داخل اجتماعات الإطار لا تتجاوز كونها خيارات احتياطية أو أوراق مناورة، فيما تتركز المواقف الفعلية حول هذه الأسماء الثلاثة، وسط حسابات تتعلق بالتوازنات الداخلية وشكل الحكومة المقبلة.
وفي هذا السياق، قال القيادي في ائتلاف "الإعمار والتنمية" فلاح الجزائري إنّ "الائتلاف وضع ورقة متكاملة لفك الجمود في العملية السياسية وعدم تجاوز التوقيتات الدستورية، من خلال جملة من المتبنيات والحلول المتعلقة بتسمية الاستحقاقات الدستورية داخل الإطار التنسيقي".
وأضاف الجزائري لـ"إرم نيوز" أن "المبادرة شددت على ضرورة احترام الاستحقاق الانتخابي وإرادة الشعب، وأن يمتلك المرشح لرئاسة الحكومة برنامجًا واضحًا، ومقبولية وطنية، وأن يكون متبنى من كتلة سياسية داعمة، بما يمنع عزله في إدارة ملفات الدولة خلال المرحلة المقبلة، سواء الاقتصادية أو الأمنية أو السياسية، في ظل المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة".
وأوضح الجزائري أن "المبادرة طرحت آليتين واضحتين، الأولى الذهاب إلى التوافق داخل الإطار التنسيقي، وفي حال عدم الوصول إلى توافق شامل، يتم اللجوء إلى خيار حساب الأوزان الانتخابية لكل كتلة داخل الإطار"، مشيرًا إلى أن "الائتلاف لا يسوق لأشخاص بقدر ما يطرح مشروعاً لإدارة الدولة، ويؤكد ضرورة أن تكون الحكومة المقبلة متبناة من جميع أطراف الإطار، وليس حكومة منقوصة الدعم السياسي".
ويأتي طرح مبادرة ائتلاف "الإعمار والتنمية" في وقت يشهد فيه الإطار التنسيقي حالة من الانقسام غير المسبوق منذ تشكيله، نتيجة تعثر التوافق على مرشح واحد لرئاسة الوزراء، رغم تعدد الاجتماعات والمشاورات المغلقة خلال الأسابيع الماضية، وهذا الانقسام لم يعد مرتبطاً بالأسماء فقط، بل امتد إلى آلية الاختيار وحدود التنازلات الممكنة بين القوى المتنافسة.
من جهته، قال سياسي مطلع، ضمن قوى الإطار التنسيقي، إن "المبادرة طرحت خلال الاجتماعات الأخيرة بوصفها إطارًا عامًا لمعالجة الانسداد، دون الدخول في تفاصيل نهائية تتعلق بالأسماء".
وأوضح السياسي الذي طلب حجب اسمه لـ"إرم نيوز" أن "عددًا من القوى تعامل مع المبادرة بإيجابية حذرة، واعتبرها محاولة جدية لإنهاء الخلافات، فيما طلبت أطراف أخرى توضيحات إضافية بشأن آليات التنفيذ، ولا سيما ما يتعلق بخيار الاحتكام إلى الأوزان الانتخابية".
وأشار إلى أن "النقاشات لم تصل بعد إلى مرحلة الحسم، لكنها أسهمت في تخفيف حدة التوتر داخل الإطار، وإعادة فتح قنوات الحوار بين الأطراف المختلفة، مع الاتفاق على إبقاء ملف رئاسة الوزراء ضمن مسار منضبط".
ويضيق الوقت على القوى الشيعية، بشأن مرشحها لمنصب رئاسة الوزراء، مع حلول موعد انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد، وما يليها من انتخاب هيئة رئاسة المجلس، ثم انتخاب رئيس الجمهورية، الذي سيتولى تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة.
ويفرض هذا التسلسل الزمني ضغوطًا متزايدة على قوى الإطار، في ظل مخاوف من الدخول في فراغ سياسي أو تأجيل طويل لعملية تشكيل السلطة التنفيذية.
من جهته، أكد الباحث السياسي عبدالله الركابي أن "الخلافات داخل قوى الإطار التنسيقي دخلت مرحلة أعمق وأكثر تعقيدًا، بعد أن انتقلت من تباين في وجهات النظر إلى تضييق واضح في مساحات التفاهم الممكنة".
وأضاف الركابي لـ"إرم نيوز" أن "الخيارات التي كانت مطروحة في مراحل سابقة بدأت تتقلص، كما أن الحوارات لم تعد بالزخم نفسه، في ظل تصلب بعض المواقف وتمسك أطراف بخياراتها من دون تقديم تنازلات حقيقية".
وأشار إلى أن "مساحات التحرك السياسي أصبحت أضيق مع اقتراب الاستحقاقات الدستورية، ما يفرض ضغوطًا متزايدة على القوى المنضوية داخل الإطار، خصوصاً أن الوقت لم يعد مفتوحاً كما في السابق، وأن أي تأخير إضافي سينعكس على مجمل المسار السياسي وتوقيتات تشكيل الحكومة".