أثارت قائمة مسرّبة لتعيينات سفراء جدد في العراق جدلا واسعا في الأوساط السياسية والشعبية، بعد أن كشفت عن أسماء معظمها ترتبط بشخصيات حزبية وزعامات سياسية نافذة.
وتضمنت القائمة عدداً من أبناء وأقارب مسؤولين، بينهم نجل رئيس وزراء أسبق، وأقارب لرئيس الحكومة الحالي، إضافة إلى شخصيات مرتبطة بفصائل في الحشد الشعبي، فضلا عن ترشيحات جاءت مباشرة من كتل سياسية بارزة.
هذا الأمر أثار تساؤلات حيال مدى التزام الحكومة بمعايير الكفاءة والمهنية في اختيار ممثلي العراق الدبلوماسيين في الخارج.
ودعا نواب في مجلس النواب العراقي إلى عدم تمرير هذه التعيينات، مشيرين إلى غياب الإجراءات القانونية الدقيقة، وانتقادهم لاعتماد "الترشيح الجماعي" بدلاً من تقييم كل مرشح على حدة، كما تقتضي الأعراف والتقاليد الدبلوماسية.
بدوره، قال النائب في البرلمان العراقي رائد المالكي، إنّ "منصب السفير يعد من المناصب العليا والحساسة، ويتطلب إجراءات دقيقة تعكس أهمية الوظيفة، وليس التعامل معها بهذا الشكل العشوائي".
وأضاف المالكي لـ"إرم نيوز"، أن "طرح هذا العدد الكبير من الأسماء دفعة واحدة لا ينسجم مع المعايير المهنية، ويعد تجاوزاً لقرار المحكمة الاتحادية الذي منع المحاصصة الحزبية في تقاسم المناصب".
وتخضع أغلب التعيينات في العراق منذ عام 2003 إلى نظام المحاصصة الحزبية والطائفية، الذي يقوم على توزيع المناصب العليا وفقاً للتوازنات السياسية والمكونات، بدلاً من معايير التخصص والكفاءة، وهو ما أدى إلى ترسيخ ثقافة تقاسم الدولة.
لكن تمرير هذا الحجم الكبير من التعيينات، ووضوح تبعية الأسماء المدرجة فيها للكتل السياسية، مع إبعاد الكفاءات – وفق مراقبين – تسبب بغضب شعبي واسع، لما يمثله من إفراغ للدبلوماسية العراقية من مضمونها وتحويلها إلى امتداد لصراعات الداخل.
بدوره، قال الدبلوماسي العراقي السابق فيصل غازي، إن ما جرى يعكس "تدهوراً خطيراً في مفاصل الدولة العراقية، حيث لم يعد منصب السفير يمنح على أساس المؤهلات أو التجربة، بل على أساس العلاقات العائلية والانتماءات الحزبية".
وأوضح لـ"إرم نيوز" أن "التحوّل في وزارة الخارجية من مؤسسة سيادية إلى ساحة لتوزيع المغانم هو مؤشر على استمرار الفساد البنيوي، وتهشيم صورة العراق في الخارج، لأن الدول الأخرى تتعامل مع السفراء بصفتهم ممثلين حقيقيين للدولة، لا لشخصيات حزبية".
وضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالقوائم المسرّبة التي اعتبرها ناشطون دليلاً إضافياً على استئثار الأحزاب بالسلطة، وتكريس حالة اللامساواة بين المواطنين، خصوصاً أن بعض الأسماء لم يسبق لها العمل في أي وظيفة دبلوماسية، فيما قالوا إن عشرات الكفاءات داخل الوزارة حُرموا من حقهم في التدرّج والترقية.
ويستند القانون العراقي إلى أن نسبة 75% من السفراء يجب أن يكونوا من داخل السلك الدبلوماسي، مع إمكانية تعيين 25% فقط من خارجه، وهو ما لم تلتزم به الحكومة، بحسب برلمانيين، حيث طالبوا بتدقيق الأسماء والملفات والجهات التي رشحتهم، قبل المضي بأي تصويت في مجلس النواب.
في المقابل، دافعت وزارة الخارجية العراقية عن القائمة، وأكدت في بيان رسمي أن "التعيينات جاءت لسد النقص الحاصل في عدد من البعثات الدبلوماسية، مع مراعاة تمثيل المكونات والمدن العراقية"، نافية صحة بعض القوائم المتداولة، ومؤكدة أن "الإعلان الرسمي سيكون حصراً عبر القنوات الحكومية".
لكن سياسيين اتهموا البرلمان نفسه بـ"شرعنة هذا الخلل"، من خلال تمرير قانون يسمح بالاستثناءات، مؤكدين أن "الاعتراض لا يُجدي ما دام النواب أنفسهم يرضخون لتوازنات أحزابهم، ويصوتون لصالح المحاصصة".
ويؤشر مختصون إلى أن الدبلوماسية العراقية تعرضت خلال السنوات الماضية لهزات متكررة، بسبب ممارسات مثيرة للجدل صدرت عن عدد من السفراء في مختلف دول العالم، بدءاً من تصريحات خارجة عن السياق الدبلوماسي، مروراً بتجاوزات مالية وإدارية، وصولاً إلى مواقف أحرجت الحكومة العراقية وأثرت سلباً على صورة البلاد الخارجية.