تشهد العاصمة اليمنية صنعاء، الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حالة طوارئ غير معلنة، وانتشارا واسعا لعناصر الميليشيا في العديد من المناطق والأحياء السكنية، وسط موجة القلق والإرباك الأمني الذي أحدثه الاختراق الإسرائيلي في الضربة الأخيرة.
وأفادت مصادر محلية "إرم نيوز"، بأن الحوثيين كثّفوا منذ مساء الأحد، من استحداث حواجز التفتيش الأمنية في قلب صنعاء ومناطقها الشمالية الغربية والجنوبية الشرقية، ونشروا المئات من عناصرهم التابعة لمختلف الوحدات الأمنية، بصورة غير اعتيادية.
وذكرت المصادر، أن أحياء منطقة "الجراف الغربي" ومنطقة "السبعين" جنوبا، وشارعي "الجزائر" و"الستين" وسط صنعاء، بالإضافة إلى منطقة "حدّة" التي وقع فيها هجوم إسرائيل الأعنف الخميس الماضي، شهدت انتشارا واسعا لقوات "الأمن والمخابرات" و"الأمن العام" ووحدات أخرى مقنّعة، في ظل إجراءات أمنية وعمليات تفتيش مشددة للمارّة، ما أثار قلق السكان المدنيين.
ويأتي الاستنفار الأمني بصنعاء، عقب مرور 4 أيام على مقتل رئيس حكومة الحوثيين غير المعترف بها، أحمد الرهوي، وعدد من وزرائها وإصابة الآخرين، في هجوم إسرائيلي استهدف الخميس الماضي، منزلا يشهد اجتماعا لمعظم القيادات الإدارية العليا في مناطق سيطرة الحوثيين.
وأشارت منصّة "ديفانس لاين" المحلية، المتخصصة في الشؤون الأمنية والعسكرية، إلى أن ميليشيا الحوثي "أعادت نشر مراكز قيادية أمنية في مقرّات أخرى بديلة بالعاصمة صنعاء"، في محاولة لقطع الطريق أمام أي اختراق آخر قد يطال بعض القيادات الأقل احترازا أمنيا.
ويرى مراقبون، أن الانتشار الأمني الواسع بصنعاء، يعكس حالة التخوّف المتصاعدة لدى الحوثيين من انتكاسة أمنية جديدة، في ظل توّعد إسرائيل بـ"المزيد من الضربات الساحقة وغير المسبوقة"، ومحاولة استغلال الواقعة من قبل الميليشيا في تعزيز قبضتها الداخلية وإظهار تماسكها وسيطرتها، تحت ذريعة مواجهة "الأنشطة الاستخباراتية" المعادية.
وكان زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، قد شدد في خطابه الأخير الأحد، على أهمية المعركة الأمنية في "تحصين الجبهة الداخلية" باعتبارها "رديفة للمعركة العسكرية"، مؤكدا أن الأجهزة الأمنية مقبلة على "نجاحات إضافية، تُفشل العدو الإسرائيلي فيما يسعى له من جرائم ضد اليمن أو ما يتصل بمؤسساته الرسمية أو الأوساط الشعبية" وفق تعبيره.
وخلال الساعات الماضية، اختطفت ميليشيا الحوثي عددا من موظفي الأمم المتحدة والوكالات الدولية الإغاثية في العاصمة صنعاء ومحافظة الحديدة، واقتحمت مقرّ برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، في ظل استمرارها في احتجاز 23 موظفا لدى الأمم المتحدة منذ العامين 2021 و2024.
وفي تقييمه لخطاب زعيم الحوثيين، قال الباحث في الشؤون العسكرية للجماعة، عدنان الجبرني، إنه توعّد اليمنيين أكثر مما توعّد إسرائيل؛ "إذ أشار إلى النجاحات الأمنية في الأيام القادمة ضد من وصفهم بالخونة والعملاء لتحصين الجبهة الداخلية، ولكنه لم يقل شيئا ذا قيمة بخصوص الرد على إسرائيل".
وأشار الجبرني، أن ما سيتضح من معلومات أخرى خلال الأيام المقبلة بشأن المزيد من القتلى سواء العسكريين أم الإداريين "سيكشف ما إذا كان عبدالملك الحوثي يخدع مؤيديه على الهواء" وفق تعبيره.
ومن جهته، يرى المراقب الميداني لحقوق الإنسان، هشام المخلافي، في تدوينة على "فيسبوك"، أن تزامن حديث الحوثي عن "المعركة الأمنية لتحصين الجبهة الداخلية من الاختراق"، مع اقتحام مسلحي جماعته لمقرات المنظمات الأممية واعتقال عدد من موظفيها "لا يبدو مجرد صدفة".
وذكر المخلافي أن هذا التزامن "يعكس كيف تُترجم شعارات المعركة الأمنية على الأرض عبر التضييق على المنظمات الدولية، واعتبارها جزءًا من معركة داخلية يسعى الحوثيون لتصويرها كحرب على الاختراق والتجسس".