بدأت معركة قانون الانتخابات مبكراً في العراق، وسط اتهامات متصاعدة بتعديل بنوده على نحو يخدم مصالح أحزاب نافذة بعينها، تمهيداً للانتخابات النيابية المقبلة.
وقدّمت اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي مسودة تعديل جديدة على قانون الانتخابات، تتضمن سلسلة من البنود التي تقول إنها تهدف إلى تعزيز الشفافية ومنع استغلال النفوذ السياسي، إلا أن توقيت الطرح وصيغته أثارا شكوكا حول نوايا الكتل المهيمنة.
ويقترح التعديل اعتبار كل محافظة دائرة انتخابية واحدة، باستثناء بغداد والبصرة والموصل التي تُقسَّم إلى دائرتين، وهي صيغة تُعيد إلى الأذهان النظام الانتخابي القديم الذي طالما اعتُبر وسيلة لضمان حضور أكبر للكتل التقليدية على حساب المستقلين والقوى الناشئة.
بدوره، قال النائب مختار الموسوي إن "القوانين، وعلى رأسها قانون الانتخابات، يجب أن تُصاغ بما ينسجم مع مصلحة المواطنين وتطلعاتهم في تمثيل عادل وشفاف، لا أن تُفصل على مقاس الكتل السياسية".
وأشار الموسوي، في حديث لـ"إرم نيوز"، إلى أن "مشروع القانون الجديد لا يزال منظورًا أمام البرلمان، ويحتاج إلى توافقات كبيرة بين الكتل، خاصة أن هناك تبايناً واضحاً في وجهات النظر، لا سيما حول طريقة توزيع الدوائر الانتخابية ومعادلة احتساب الأصوات".
وأوضح أن "العديد من القوى السياسية تسعى لتعديل القانون بما يخدم رؤيتها، لكننا نؤكد أن أي تعديل لا يحظى بإجماع وطني ولا يُراعي مطالب الشارع سيكون مثار جدل، وسينعكس سلباً على نسبة المشاركة وثقة المواطنين بالعملية الانتخابية".
وعبّر نواب مستقلون عن خشيتهم من أن تؤدي التعديلات المقترحة إلى تقويض فرصهم في الوصول إلى البرلمان، معتبرين أن القانون يُعاد تشكيله بطريقة تُعيد إنتاج الطبقة السياسية ذاتها.
وقال النائب المستقل هادي السلامي، في تصريح صحفي، إن "القانون بصيغته الحالية لا يخدم التمثيل العادل، ويكرّس سيطرة الأحزاب الكبرى"، محذراً من أن "استمرار تجاهل مطالب الشارع سيؤدي إلى مزيد من العزوف عن المشاركة في الانتخابات المقبلة".
ويُنظر إلى قانون الانتخابات في العراق باعتباره من الركائز الأساسية في رسم ملامح المشهد السياسي. وقد شهد تعديلات متكررة خلال السنوات الماضية، كان آخرها عقب احتجاجات تشرين 2019، عندما جرى اعتماد نظام الدوائر المتعددة بهدف دعم المستقلين وتقليص نفوذ الأحزاب التقليدية.
وفي عام 2023، عاد مجلس النواب العراقي لتعديل قانون الانتخابات باتجاه اعتبار كل محافظة دائرة واحدة، في خطوة اعتُبرت تراجعاً عن مكتسبات احتجاجات تشرين، مستغلاً حالة الهدوء الشعبي واختفاء التظاهرات التي كانت قد أجبرت البرلمان في 2019 على تبني نظام الدوائر المتعددة.
من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي علي ناصر إن "مقترح التعديل الذي تقدم به النائب رائد المالكي يعكس في جوهره صراعاً بين القوى التقليدية الساعية للحفاظ على مواقعها، والقوى الناشئة التي ترى أن القانون الحالي يُغلق الأبواب أمام صعودها".
وأضاف ناصر لـ"إرم نيوز" أن "الاختلاف حول عدد الدوائر في المحافظات الكبرى لا يرتبط فقط بالجغرافيا أو الكثافة السكانية، بل هو خلاف سياسي على توزيع النفوذ، إذ تحاول بعض الأطراف ضمان تمثيل أكبر عبر تفتيت الدوائر بما يخدم قواعدها الانتخابية".
وأشار إلى أن "الحديث عن إصلاح انتخابي يظل قاصراً إذا لم يقترن بخطوات جادة لضمان تكافؤ الفرص ومنع استخدام المال السياسي، لأن المشكلة لا تكمن فقط في شكل الدائرة أو نسبة توزيع المقاعد، بل في البيئة السياسية التي تُدار بها الانتخابات".
ويتضمن التعديل بنوداً مثيرة للجدل، أبرزها فرض "استقالة تلقائية" على أي نائب يترشح لانتخابات محلية، أو أي محافظ يترشح لانتخابات مجلس النواب، في خطوة تهدف لمنع ازدواجية المناصب واستغلال السلطة في الترويج الانتخابي، كما يقترح وضع قيود صارمة على استخدام برامج الرعاية الاجتماعية، وتوزيع الأراضي والخدمات لأغراض دعائية.
وتتباين مواقف القوى السياسية إزاء مسودة التعديل، ففيما يروّج لها ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، باعتبارها أداة لتعزيز النزاهة وضمان التداول السلمي للسلطة، ترى أحزاب أخرى أن القانون يُفصَّل لضمان استمرار نفوذ الكتل المهيمنة، ما يهدد تمثيل المستقلين ويضعف المشاركة الشعبية.