أثرت الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا على جميع جوانب العلاقات بين البلدين، فقد توقف الحوار السياسي، والتجارة في تراجع مستمر، بل يتفاقم التوتر بين البلدين بشكل يومي، ووصل إلى اشتراط التأشيرات على تنقل الدبلوماسيين.
ويعد قرار السلطات الفرنسية إعادة النظر في اتفاقيات عام 2007 بشأن تنقل حاملي جوازات السفر الدبلوماسية الجزائرية أحدث مؤشرات تفاقم التباعد بين البلدين، حيث عمّمت المديرية العامة للأمن الوطني الفرنسي، مطلع الأسبوع الجاري، رسالة للشرطة جاء فيها "المواطنون الجزائريون الحاملون لجواز سفر دبلوماسي أو خدمي والذين لا يتوفرون على تأشيرة سيخضعون لإجراءات عدم الدخول أو الإعادة القسرية"، هذا ما أمرت به وطلبت من الشرطة "الإبلاغ عن أي صعوبات تواجهها".
المعاملة بالمثل
وأعلنت الجزائر أنها سترد بحزم على إجراءات فرنسا الأخيرة المتعلقة بتجميد أو تعليق العمل بهذا الاتفاق، وقالت الخارجية الجزائرية في بيان "إنها ستطبق مبدأ المعاملة بالمثل بدقة وصرامة بما يعادل مقدار إخلال الجانب الفرنسي بالتزاماته وتعهداته".
وتتهم الحكومة الجزائرية باريس بتعليق العمل بالاتفاق بطريقة مخالفة للأعراف الدبلوماسية والقانونية عبر تسريبات إعلامية غير رسمية من وزارة الداخلية والمديرية العامة للشرطة الفرنسية، دون إشعار رسمي للجزائر عبر القنوات الدبلوماسية المعتمدة.
ويثير أستاذ العلاقات الدولية عدلان الناوي قضية "الخرق القانوني" على ضوء المادة 8 من بروتوكول 2013 المبرم بين الجزائر وباريس، وينص إدراج أي تعديلات أو لدى تعليقه احترام إجراءات قانونية دقيقة، تقتضي إرسال طلب رسمي عبر وزارة الخارجية الفرنسية إلى نظيرتها الجزائرية، وضرورة الالتزام بأجل 90 يوما من تاريخ استلام الطلب قبل أن يُعتبر البروتوكول مجمدا من الناحية القانونية.
ومن المستبعد تراجع وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو عن قراراته تجنبا لمزيد من التصعيد الدبلوماسي واتهامات بالإخلال بالاتفاقيات الدولية وفق الناوي في تصريح لـ"إرم نيوز"، ودليله بدء شرطة الحدود الفرنسية تنفيذ فرض تأشيرات على حاملي الجوازات الدبلوماسية الجزائرية، دون احترام المهلة المنصوص عليها.
ويؤكد أن الحلقة الجديدة من الخلاف بين الجزائر وباريس، تفجرت مع اعتقال وسجن موظف قنصلي جزائري قبل أسابيع بتهمة التورط في قضية اليوتيوبر الجزائري أمير بوخرص، المعروف باسم أمير ديزاد، وهو قرار جاء بعد فترة من زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو.
قطيعة دبلوماسية
وخلال الأشهر العشرة الماضية، تم تسجيل زيارة دبلوماسية واحدة فقط إلى الجزائر، وهذا ما قام به وزير الخارجية الفرنسي في الـ6 من أبريل، لكن تم إلغاء زيارة رئيس الدولة عبد المجيد تبون إلى باريس، التي كانت مقررة في نهاية سبتمبر/ أيلول 2024.
ومازالت الحكومة الفرنسية تنتظر "بادرة إيجابية" من الجزائر لتخفيف التوتر تبدأ بإطلاق سراح الكاتب بوعلام صنصال، ودعا وزير الخارجية جان نويل بارو، يوم الثلاثاء، السلطات الجزائرية إلى القيام بـ"لفتة إنسانية" تجاه الروائي البالغ من العمر 80 عاما، المحتجز منذ منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وحُكم عليه بالسجن 5 سنوات في نهاية مارس/ آذار الماضي. ومن المقرر أن تبدأ جلسة الاستئناف في 24 يونيو/ حزيران، على أن يتم اتخاذ القرار في الأول من يوليو/ تموز، وقال الوزير الفرنسي "لقناة "فرانس انتر"، أنه "قلق للغاية بشأن صحته. إنه رجل مسن وضعيف".
وفي الـ6 من مايو/ أيار، اعتمدت الجمعية الوطنية الفرنسية قراراً يدعو إلى "الإفراج الفوري" عن الكاتب وإلى أن يكون أي "تعاون معزز" بين الجزائر وفرنسا، وأوروبا بشكل عام، مشروطاً باحترام "الالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان".
أحكام قضائية
وفي الجانب المقابل، يرفض القضاء الفرنسي تسليم مسؤولين سابقين وصحفيين ونشطاء إلى الجزائر، على الرغم من أن بعضهم حُكم عليهم بأحكام ثقيلة بتهمة ارتكاب أعمال متطرفة أو فساد أو تهديد أمن الدولة.
وأصدرت غرفة التحقيق بمحكمة الاستئناف في إيكس أون بروفانس بجنوب فرنسا، يوم 19 مارس/ آذار، حكما برفض تسليم وزير الصناعة والمناجم الجزائري بين عامي 2014 و2019 عبد السلام بوشوارب، وحُكم على الرجل الذي كان أحد أركان نظام الرئيس بوتفليقة السابق بالسجن لمدة 100 عام في قضايا مختلفة تتعلق بالفساد واستغلال المنصب وغسيل الأموال، ومن المرجح أن ينهي حياته في فرنسا.
وأبلغت باريس الجانب الجزائري، أن اتخاذ المحاكم الفرنسية قرارها وفق مصادر مطلعة، جاء بناء على "غياب ضمانات من جانب النظام القضائي الجزائري لهؤلاء الأشخاص، لكي يستفيدوا من معاملة قضائية تحترم حقوقهم وكذلك محاكمات عادلة".