تتجه أنظار العالم إلى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، التي تحتضن يوم الاثنين اجتماع مفاوضين أمريكيين مع وفدي أوكرانيا وروسيا، في محاولة لإنهاء الصراع المستمر منذ 3 سنوات.
ورفضت موسكو اقتراحًا أمريكيًّا- أوكرانيًّا بوقف كامل وغير مشروط لإطلاق النار لمدة 30 يومًا، وعرضت بدلاً من ذلك وقف الضربات الجوية على منشآت الطاقة، وقالت إنها تأمل تحقيق "بعض التقدم" في محادثات جدة الجديدة، وفق ما أفاد المفاوض الروسي غريغوري كاراسين لتلفزيون رسمي.
وبدورها، قالت وزارة الخارجية في كييف، إن المحادثات التي ستُجرى بين ممثلين أوكرانيين وأمريكيين في السعودية، يوم الاثنين، ستركز بشكل أساس على الجوانب التقنية المتعلقة بوقف إطلاق نار محدود محتمل بين روسيا وأوكرانيا.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأوكراني، هيورهي تايخي، إن "هذا الاجتماع يهدف إلى وضع معايير لمختلف خيارات وقف إطلاق النار المقترحة حاليًّا على الطاولة".
وأكد تايخي أن أوكرانيا وافقت على المقترح الأمريكي لوقف كامل لإطلاق النار لمدة 30 يومًا، وحمَّل مجددًا روسيا مسؤولية الفشل في تنفيذ أي شكل من أشكال وقف إطلاق النار حتى الآن.
مفاوضات منفصلة
وأضاف تايخي أن أوكرانيا لا تملك معلومات حول كيفية سير المفاوضات المنفصلة بين الولايات المتحدة وروسيا في السعودية، مشيرًا إلى أن أوكرانيا تستعد فقط لإجراء محادثات مع الممثلين الأمريكيين.
وفي المقابل، تسعى إدارة ترامب إلى إنهاء الحرب بسرعة، ليس لتحقيق سلام عادل، ولكن لتعزيز مكاسبها السياسية.
ومع تراجع واشنطن عن تقديم دعم غير مشروط لكييف، بات من الواضح أن مصير الحرب مرتبط بقرارات دولية كبرى، وليس فقط بحسابات ميدانية.
ويرى خبراء، أن المفاوضات التي ستُعقد في السعودية تتركز على مناقشة هدنة مدتها 30 يومًا بين روسيا وأوكرانيا، في ظل استمرار التصعيد العسكري، حيث يتنقل الوسطاء الأمريكيون بين الطرفين.
وأشار الخبراء في تصريحات لـ"إرم نيوز" إلى أن موسكو لن تتنازل عن مطالبها الأساسية، مثل الاعتراف بالمناطق التي ضمتها، بينما تدعم كييف مقترح الهدنة الأمريكية الذي لا يتضمن شروطًا مسبقة، في حين تفرض روسيا مطالب إضافية، مثل وقف التعبئة الأوكرانية، وهو ما ترفضه كييف.
مفاوضات غير مباشرة
ويقول إيفان يواس، مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني، إن المفاوضات التي ستُعقد يوم الاثنين في السعودية تهدف إلى مناقشة هدنة لمدة 30 يومًا بين روسيا وأوكرانيا، خاصة بعد تجدد الضربات المتبادلة بين الطرفين.
وأوضح يواس في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن كييف لا تعتزم إجراء مفاوضات مباشرة مع موسكو، حيث سيتم اعتماد نموذج غير مباشر، يجلس خلاله ممثلو روسيا وأوكرانيا في غرفتين منفصلتين، بينما يتولى ممثلو الولايات المتحدة دور الوساطة، متنقلين بين الطرفين لمحاولة تقريب وجهات النظر.
روسيا لن تتنازل
وأشار يواس إلى أن روسيا أكدت قبل بدء هذه المحادثات أنها لن تتنازل عن مطالبها الأساسية، التي استندت إليها في إطلاق عمليتها العسكرية عام 2022، ومنها الاعتراف بالمناطق التي ضمتها إلى دستورها، رغم أنها لا تسيطر عليها بالكامل.
وتابع: "في المقابل، تدعم أوكرانيا مقترح الهدنة الذي طرحته الولايات المتحدة، كونه لا يتضمن أي شروط مسبقة، لكن موسكو فرضت شروطًا إضافية، من بينها وقف التعبئة العسكرية الأوكرانية وسحب القوات من المناطق التي تعتبرها جزءًا من أراضيها، وهي مطالب غير مقبولة من الجانب الأوكراني".
تباين المواقف الأمريكية
وأكد يواس، أن الموقف الأمريكي من المفاوضات ظهر بوضوح في مقابلة أجراها ستيف ويتكوف مع الصحفي تاكر كارلسون، المقرب من الرئيس دونالد ترامب.
واعتبر أن هذه المقابلة تضمنت أفكارًا تتماشى مع الدعاية الروسية؛ ما يشير إلى أنها كانت محاولة لاستمالة موسكو لقبول الهدنة المقترحة دون شروط مسبقة.
وأضاف أن إدارة ترامب تسعى إلى تحقيق سلام سريع، حتى لو لم يكن عادلًا، بهدف تعزيز فرص الرئيس الأمريكي في الفوز بجائزة نوبل للسلام.
وشدد يواس على ضرورة أن تعيد الدول الأوروبية النظر في استراتيجيتها الدفاعية، تحسبًا لاحتمال غياب الدعم الأمريكي، مما قد يؤثر على مستقبل حلف الناتو.
ورأى أن سرعة أوروبا في تعزيز قدراتها العسكرية ستعتمد على نتائج هذه المفاوضات، وعلى تحالفاتها مع دول مثل تركيا وكندا واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا.
ضغط أمريكي
ومن جانبه، أوضح كارزان حميد، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، أن المشهد الدولي شهد تغييرات جذرية منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض.
وأضاف، في السابق، كانت الحرب الأوكرانية تنحصر بين روسيا المعزولة دوليًا والولايات المتحدة التي تقود حلفاءها لدعم كييف، لكن الأمور تغيّرت بعد تراجع واشنطن جزئيًا عن المشهد، وضغطها على الطرفين للجلوس إلى طاولة المفاوضات دون وسطاء أوروبيين.
وأشار حميد في تصريح لـ"إرم نيوز" إلى أن اللقاءات الأولية التي جرت في السعودية كشفت عن قضايا حساسة، مثل وقف التمويل العسكري لأوكرانيا، وإمكانية فرض هدنة مؤقتة.
ولفت إلى أن هذه الملفات ليست سوى غطاء لمفاوضات أكثر تعقيدًا، تتعلق بمستقبل زيلينسكي، وتقسيم أوكرانيا وفقًا للواقع الميداني، واحتكار واشنطن للنفوذ في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة كييف.
وأوضح أن موسكو ترفض بشكل قاطع نشر قوات أوروبية من الناتو في أوكرانيا، بينما هناك إصرار أوروبي على ذلك، خاصة وأن روسيا اقترحت نشر قوات أمريكية لمراقبة الهدنة، وهو ما قد يكون مقبولًا لدى واشنطن، التي دفعت موسكو منذ البداية إلى "الفخ الأوكراني" عبر بناء قواعد عسكرية هناك.
وبحسب حميد، فإن أوكرانيا ليست معنية بالتوصّل إلى سلام دائم مع روسيا، لأنها تدرك أن انتهاء الحرب سيجعلها تواجه استحقاقات داخلية ودولية، كما أن الرئيس زيلينسكي لم يوقع اتفاق المعادن مع واشنطن إلا لضمان بقائه في السلطة.
وأضاف أن الأزمة الأوكرانية لن تنتهي بوقف إطلاق النار، بل ستفتح الباب أمام أزمات سياسية واقتصادية وعسكرية، وهو ما يجعل كييف تثير قضايا جديدة عند كل منعطف للحفاظ على زخم الحرب.
وخلص حميد، إلى أن زيلينسكي، الذي كان يرفض سابقًا الجلوس مع روسيا دون وجود شركاء أوروبيين، يجد نفسه الآن مضطرًا للتفاوض بمفرده، بينما موسكو تستفيد من الوضع بفضل ثباتها على مواقفها منذ بداية الحرب، وفي ظل ذلك، تسعى واشنطن إلى إعادة فرض هيمنتها على المشهد الدولي، سواء عبر فرض اتفاق سلام غير متوازن، أم من خلال توجيه الضغط نحو أوروبا.