دخل التوتر بين لبنان وإسرائيل مرحلة تصعيدية حادة، بعدما اتهم رئيس الوزراء نواف سلام إسرائيل برفض الدخول في مفاوضات بشأن النزاعات الحدودية، واتهمها بعدم الالتزام بشروط وقف إطلاق النار.
وقال نواف سلام في مقابلة مع وكالة "بلومبرغ" إن لبنان مستعد للحوار مع إسرائيل، وسيسعى للحصول على مساعدة الولايات المتحدة في الدفع باتجاه مفاوضات، في ظل تكثيف الغارات الجوية على "حزب الله" المدعوم من إيران.
وكان الرئيس اللبناني جوزيف عون قد عرض سابقًا مناقشة النزاعات الحدودية البرية وانسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها بعد حرب العام الماضي. وقال سلام: "أكرر نفس العرض، معربًا عن استعداده للتفاوض مع إسرائيل".
وأعرب سلام عن اعتقاده بإمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي، مع الإشارة إلى المحادثات التي توسطت فيها الولايات المتحدة في عام 2022، والتي رُسمت خلالها حدود المناطق البحرية الغنية بالطاقة، كاشفاً عن أن الدعوات اللبنانية لم تلق استجابة حتى الآن".
وقال سلام: "هذا أمرٌ مُحيّرٌ بالنسبة لي. يطلبون مفاوضات، وعندما نُظهر استعدادنا، لا يوافقون على اللقاء. هذا أمرٌ سأُناقشه مع الأمريكيين".
وأضاف سلام أن خطط نزع سلاح "حزب الله" في الجنوب تسير على المسار الصحيح، وأن الجيش اللبناني يوسع وجوده هناك، وخاصة في المناطق القريبة من الحدود مع إسرائيل.
وتشير "بلومبرغ" إلى أنه "بعد مرور عام على وقف إطلاق النار، الذي تدعمه الولايات المتحدة وفرنسا، بين إسرائيل وحزب الله، لا تزال التوترات مرتفعة، حيث تتهم إسرائيل الحكومة في بيروت بالتقصير في الوفاء بالتزاماتها في الاتفاق، الذي يُلزم الجيش بنزع سلاح "حزب الله"، الذي تُصنّفه الولايات المتحدة "منظمة إرهابية".
وأدى هجوم إسرائيلي يوم الثلاثاء إلى مقتل 13 شخصا على الأقل في "عين الحلوة"، أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان، في واحدة من أعنف هجماتها منذ دخول الهدنة حيز التنفيذ.
وأوضح سلام أن المرحلة الأولى من عملية نزع سلاح "حزب الله" تركز على جنوب لبنان، ومن المتوقع الانتهاء منها بنهاية الشهر، وتشمل المراحل اللاحقة بيروت ووادي البقاع.
ووصفت "بلومبرغ" تكليف الحكومة اللبنانية، أغسطس/ آب، بأنه "خطوة نادرة"، كلفت فيها الحكومة الجيش بوضع خطة لنزع سلاح "حزب الله" والميليشيات الأخرى.
في المقابل، وصف "حزب الله" خطة الجيش اللبناني بأنها "خطيئة كبرى"، وتعهد بعدم تسليم سلاحه، متهمًا الحكومة بتنفيذ أوامر إسرائيل. كما رفض الحزب عرض لبنان التفاوض مع إسرائيل. ويُعتبر البلدان رسميًا في حالة حرب، بحسب الوكالة.
مرتفعات استراتيجية
صرح رئيس الوزراء اللبناني كذلك بأن إسرائيل هي التي لا تلتزم ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، وسط تمركز للجيش الإسرائيلي في 5 قمم تلال منتشرة على طول الحدود الجنوبية للبنان، والتي قال سلام إنها لا تقدم أي قيمة استراتيجية، نظرا لأن الطائرات المسيرة والأقمار الصناعية الحديثة مجهزة بتكنولوجيا مراقبة أفضل بكثير.
وشدد على أن "هذه المواقف لا قيمة عسكرية ولا أمنية لها، إنها أداة ضغط على اللبنانيين".
بالنسبة لإسرائيل، تمنحها النقاط الخمس العمق الاستراتيجي اللازم لمراقبة حزب الله، الذي قالت إنه يسعى لإعادة بناء نفسه عسكريًا. وتضيف أن هذا هو سبب استمرار القوات الإسرائيلية في ضرب الجماعة الإسلامية.
ورغم أن الحكومة اللبنانية تقول إنها لا تملك أدلة على محاولات "حزب الله" إعادة التسلح، قال سلام إن الجيش يجب أن يظل يقظا، ويعزز سيطرته على طرق التهريب، وخاصة الحدود مع سوريا.
وتشاطر الولايات المتحدة قلق إسرائيل من بطء لبنان في نزع سلاحه. وفي وقت سابق من هذا الشهر، صرّح توم باراك، سفير واشنطن لدى تركيا ومبعوثها الخاص إلى سوريا، بأن الحكومة اللبنانية مشلولة وتحكمها "منظمة إرهابية أجنبية".
ولعقود، سلّحت إيران "حزب الله" وموّلته، مما جعله أقوى ميليشيا في الشرق الأوسط. ورغم ضعفه بعد الحرب مع إسرائيل، لا يزال الحزب حزبًا سياسيًا مؤثرًا في لبنان، وله تمثيل كبير في البرلمان.
ولعل ضعف القدرة المالية هو ما يعيق جهود لبنان لنزع سلاح "حزب الله"، فقد انزلقت البلاد في أزمة مالية خانقة، مما أدى إلى فقدان عملتها معظم قيمتها، وتخلف الحكومة عن سداد سندات يوروبوند بقيمة 30 مليار دولار تقريبًا في عام 2020.
ورداً على سؤال "لماذا لا نتحرك بسرعة أكبر؟"، أجاب سلام: "أولاً: نحتاج إلى تجنيد المزيد من الأفراد في الجيش، وتجهيزه بشكل أفضل، ورفع رواتب أفراده".
وقال سلام إنه يعمل مع فرنسا والسعودية لتنظيم مؤتمر للمانحين لدعم إعادة إعمار البلاد وتعافيها، كما تحرز الحكومة تقدماً في مشروع قانون لسد عجز يقدر بنحو 80 مليار دولار في القطاع المالي، والذي يأمل أن يساعد في إطلاق الأموال التي تشتد الحاجة إليها من صندوق النقد الدولي.
وقال سلام إن هناك فرصة للتغيير في المنطقة ولبنان "لن يفوت الفرصة" هذه المرة.