تشهد الساحة السياسية العراقية تصاعدًا لافتًا في حدة التوترات قبيل الانتخابات المقبلة، مع عودة الخطاب الطائفي إلى الواجهة وفضائح فساد كبرى تهز ثقة المواطنين بالمؤسسات الحكومية، إضافة لهشاشة الوضع الأمني، بعد اغتيال مرشح ومحاولة استهداف آخرين.
وبينما تكثف القوى السياسية دعاياتها وسط انعدام الثقة الشعبية، يرى مراقبون أن العراق يقف أمام اختبار جديد لقدرته على إجراء انتخابات نزيهة وشفافة في ظل انقسامات متصاعدة ومشهد أمني هش.
خلال الأسابيع الماضية، تفجرت قضايا فساد كبرى داخل وزارة التربية تتعلق بعقود تجهيز المواد الغذائية الخاصة بوجبات الطلبة، وسط اتهامات بهدر المال العام والتلاعب بالأسعار والمناقصات.
وتكشف وثائق برلمانية أن بعض العقود تضمنت مبالغ تفوق قيمتها السوقية بأضعاف، ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية.
بدوره، أوضح الخبير في الشأن السياسي، محمد التميمي أن هذه القضايا "تمثل اختباراً مبكراً لجدية الدولة في مواجهة الفساد قبل موعد الاقتراع"، مشيراً إلى أن "الانتخابات لا يمكن أن تكتسب مشروعيتها في ظل انكشاف شبكات فساد داخل المؤسسات، خصوصاً الوزارات الخدمية التي تمس حياة المواطنين".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "التعامل الانتقائي مع ملفات الفساد يخلق بيئة سياسية غير متوازنة، ويمنح بعض القوى أفضلية مالية غير مشروعة خلال الحملات الانتخابية، وهو ما يستدعي تدخلاً عاجلاً من الجهات الرقابية لإيقاف هذا النزيف قبل أن ينعكس على النتائج".
وبينما تتعالى الأصوات المطالبة بإجراءات حازمة ضد الفاسدين، يزداد القلق من هشاشة الوضع الأمني الذي يرافق موسم الانتخابات، لاسيما بعد حادثة اغتيال المرشح صفاء المشهداني بانفجار عبوة ناسفة في بغداد، وهي ليست الأولى من نوعها، إذ سبقتها محاولات مشابهة استهدفت مرشحين محليين في المحافظات الغربية والجنوبية.
وتشير تقارير أمنية إلى أن بعض تلك الحوادث تحمل طابعاً سياسياً وتسعى إلى ترهيب المرشحين المستقلين وإعادة إنتاج الخوف القديم من المشاركة السياسية.
والثلاثاء، أبلغت المرشحة للانتخابات في محافظة ديالى، ناهدة الدايني، عن تعرضها إلى هجوم مسلح من قبل أحد الأشخاص، عندما أشهر سلاحها ضد موكبها، عند عودتها من مؤتمر انتخابي، دون إصابتها بأذى.
وفي هذا السياق، حذّر الأكاديمي والباحث السياسي حسين الطائي من "خطورة استمرار هذه الحوادث التي تكشف هشاشة البيئة الأمنية"، مبيناً أن "محاولات الاغتيال المتكررة تهدد نزاهة الانتخابات وتضعف ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "السكوت عن تلك الحوادث يرسل رسالة خاطئة للناخبين، بأن القوى المتنفذة قادرة على فرض إرادتها بالعنف أو بالمال، وهو ما يتعارض مع مبدأ التنافس السلمي الذي يفترض أن تحكمه القوانين لا السلاح".
ومع احتدام الحملات الانتخابية، عاد الخطاب الطائفي إلى الواجهة عبر مقاطع وتصريحات لمرشحين يوظفون الانتماء المذهبي في دعايتهم، مثل الفيديو الذي ظهرت فيه وزيرة الاتصالات هيام الياسري وهي تتحدث عن “خدمة دولة الحجة” بدلاً من عرض برنامج حكومي، إلى جانب مقطع آخر للنائب يوسف الكلابي وهو يلوّح بسيف في تجمع انتخابي ويتوعد خصومه السياسيين، في مشاهد أثارت قلقاً واسعاً من عودة لغة التحريض المذهبي إلى الخطاب العام.
وترى الباحثة السياسية نوال الموسوي أن “الخطاب الطائفي لم يختفِ يوماً من المشهد السياسي، لكنه اليوم يعود بوضوح كأداة لاستقطاب الجمهور التقليدي للأحزاب الكبيرة”، مشيرة إلى أن “بعض القوى تحاول شدّ العصب المذهبي بعد فشلها في تقديم برامج إصلاحية أو تنموية حقيقية”.
وأضافت لـ"إرم نيوز" أن “التحالفات الانتخابية الحالية تفتقر إلى الانسجام، وتقوم على مصالح آنية لا على برامج وطنية، ما يجعلها عرضة للتفكك بعد الانتخابات، ويعيد إنتاج الأزمات نفسها داخل البرلمان المقبل".
ويرى مراقبون أن الانتخابات المقبلة في العراق محاطة بسلسلة من المخاطر التي قد تُضعف من صدقيتها، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الشكوك في قدرة النظام السياسي على إصلاح نفسه من الداخل.