دخلت العلاقات بين ليبيا وتونس منعطفًا جديدًا، إثر إعلان وزير الدفاع التونسي، خالد السهيلي، عن عمل يتم على مستوى لجنة مشتركة تونسية – ليبية لإعادة ترسيم الحدود بين البلدين.
وسارعت السلطات الليبية إلى الرد على هذه التصريحات، بإعلان يقول إن ملف ترسيم الحدود قد أغلق بشكل كامل منذ أكثر من عقد من الزمن من خلال لجنة مشتركة بين البلدين.
وأشارت وزارة الخارجية الليبية في بيان نشرته عبر "فيسبوك" إلى أن "هذا الملف أصبح منذ ذلك الحين ملفًا مستقرًا وثابتًا وغير مطروح للنقاش أو إعادة النظر".
والخلافات بين تونس وليبيا بشأن إعادة ترسيم الحدود ليست وليدة اللحظة، حيث سبق للرئيس التونسي قيس سعيد أن أثار قضية حقل البوري النفطي في 16 مارس/آذار عام 2023.
وقال سعيد آنذاك إن "تونس لم تحصل إلا على الفتات القليل من حقل البوري، لافتًا إلى أن "النية كانت تتجه إلى قسمة هذا الحقل إلى نصفين بين تونس وليبيا، ما من شأنه أن يؤمن كل حاجيات تونس وأكثر".
وعلق الدبلوماسي الليبي السابق، عثمان البدري، على الأمر بالقول إن "موضوع الحدود البينية بين الدول العربية رسمها الاستعمار الأوروبي في القرن الماضي، لأن المنطقة العربية، خاصة شمال أفريقيا، عدا المغرب الأقصى، كانت تابعة لإمبراطورية واحدة هي الإمبراطورية العثمانية".
وتابع: "بالتالي فإن مسألة الحدود لم ترسم في العهد العثماني بشكل دقيق وفق خطوط الطول والعرض، وما شابه ذلك بالنظر إلى أن هذه المنطقة كلها كانت تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية، إلى حين دخول المنطقة تحت سيطرة الاستعمار الغربي، الذي رسم الحدود وفقًا لمصالحه".
وأوضح البدري، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "مسألة الحدود هي مسألة منتهية منذ فترة الاستعمار، فقد تم ترسيمها منذ ذلك الوقت، والحدود الليبية – التونسية مرسمة أصلًا، وبذلك فهي فعلًا مسألة منتهية، وإلا لماذا تثار في هذا الوقت؟".
وأضاف أنه "حتى منطقة الجرف القاري التي حدث فيها خلاف بين تونس وليبيا، صدر فيها قرار من المحكمة الدولية، والمستغرب إثارة هذه التصريحات الآن من وزير الدفاع التونسي".
وأنهى البدري حديثه بالقول إن "هذه الحدود رسمت وانتهت وفقًا لمصالح الدول، وقد انتهت القضية إلى الأبد في اعتقادي".
ومن جانبه، قال المحلل السياسي التونسي، هشام الحاجي، إن "العلاقات بين تونس وليبيا ھي علاقات أخوية وضاربة في القدم، وھي بالتالي علاقة إستراتيجية للطرفين، ولا شك أن ھذه الاعتبارات ھي التي تحضر في كل مرة دخلت فيھا العلاقات بين تونس وليبيا منطقة الأزمة والاضطرابات، إذ سرعان ما يتغلب العقل وتحضر شواھد الترابط الوثيق بين شعب واحد في بلدين، كما يحلو للبعض في تونس وليبيا وصف التداخل البشري و الاقتصادي بين البلدين".
وأوضح الحاجي، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أنه "يبدو أن ھذه الاعتبارات ھي التي حضرت ومكنت من تطويق تداعيات تصريح وزير الدفاع الوطني التونسي أمام مجلس النواب، وسحبت البساط من تحت أقدام الذين أرادوا الركوب على تصريحات الوزير حول مسألة ترسيم الحدود بين تونس وليبيا، للنفخ في رماد الفتن، وربما تصدير الأزمات بين البلدين عوضًا عن مواجھتھا بشكل مشترك".
وبحسب الحاجي فإنه "ما كان على وزير الدفاع التونسي أن يدخل في تفاصيل مسألة يعتبرھا الجانب التونسي غير محسومة بشكل علني، خاصة أن الأمر حسب تصريحاته، في مستوى اللجان الفنية".
وتابع: "كان من الأفضل على الأشقاء الليبيين عدم الرد بشكل علني أيضًا، خاصة أن الوضع الإقليمي غير مستقر، وأن منطقة المغرب العربي تعيش على وقع ازدياد التوتر بين المغرب والجزائر، وقد يدفع ذلك بعض القوى الباحثة على مزيد من التشتيت للعرب إلى الانطلاق من تصريحات أرجعھا إلى حسن النية وانعدام التجربة، لإثارة خلاف سياسي بين تونس وليبيا".