ترامب عن اجتماعه مع نتنياهو: لدينا سلام في الشرق الأوسط
أعاد تصريح الأمين العام لميليشيا حزب الله، نعيم قاسم، بشأن المطالبة بتأجيل سحب السلاح، تكريس حالة الجمود التي تطبع ملف الجنوب اللبناني، في وقت تتزايد فيه كلفة هذا الجمود سياسياً وأمنياً. فالموقف، كما ورد، خلا من أي تصور بديل، ولا مؤشرات زمنية، ولا حتى محاولة لتأطير النقاش ضمن مسار قابل للتفاوض.
بحسب مصدر دبلوماسي غربي مطّلع على الاتصالات الجارية حول الوضع اللبناني، فإن هذا النوع من المواقف يُعبر عن عجز متراكم عن التعامل مع واقع لم يعد الحزب قادراً على تجاهله أو الدفاع عنه كما في السابق.
يُشير المصدر الدبلوماسي لـ"إرم نيوز" إلى أن "حزب الله" يواجه في هذه المرحلة ضغوطاً من نوع مختلف، تظهر في اتساع دائرة التشكيك بجدوى استمرار السلاح خارج أي إطار سياسي أو مؤسسي. هذا التشكيك، بات حاضراً في دوائر سياسية ودبلوماسية أوسع، ترى أن استمرار الوضع القائم يحمل مخاطر لا يمكن إدارتها إلى ما لا نهاية.
في هذا السياق، يأتي طلب التأجيل كأداة دفاعية، هدفها إيقاف أي انتقال محتمل من النقاش النظري إلى خطوات عملية، ولو محدودة. فالحزب، بحسب المصدر، لا يملك في الوقت الراهن قدرة على فرض شروطه، ولا استعداداً للذهاب إلى تسوية، ما يجعله يلجأ إلى خيار وحيد متاح وهو تعليق الملف ومنع تطوّره.
يربط المصدر الدبلوماسي توقيت تصريح نعيم قاسم بحالة قلق داخل الحزب، ففي الأيام الأخيرة، طُرحت عبر قنوات سياسية ودبلوماسية أفكار تتعلق بخفض منسوب المخاطر، وضبط الإيقاع الميداني، ومنع تكرار سيناريوهات الانفلات.
هذه الطروحات، كانت كافية لإثارة خشية الحزب من فتح باب لا يملك القدرة على التحكم بمساره، فجاء التصريح ليغلق الباب مبكراً، عبر تعليق النقاش بالكامل، وهو ما يصفه المصدر بأنه أسلوب مألوف لدى الحزب في مراحل الانكفاء.
كذلك يرى المصدر الدبلوماسي أن المعضلة الأساسية التي يواجهها "حزب الله" اليوم تتمثل في موقعه غير القابل للاستدامة، فهو عاجز عن التقدّم نحو تسوية تقلّص دوره العسكري، لأنه لا يملك رواية سياسية مقنعة لهذا التحوّل، وفي الوقت نفسه غير قادر على التراجع عن هذا الدور من دون الاعتراف بفشل مسار طويل.
هذا التناقض ينعكس في الخطاب السياسي، الذي بات يعتمد على التأجيل بدل المبادرة. وبحسب المصدر، فإن هذا السلوك يدل على استنزاف بطيء لهامش المناورة.
في ما يتعلق بالدور الإيراني، يقدّم المصدر الدبلوماسي توصيفاً مختلفاً عن الصورة الشائعة. فإيران وفق هذا التقدير، لا تملك اليوم قدرة فعلية على فرض مسارات جديدة. وإنما يتمثل دورها في استثمار حالة التشابك القائمة، والدفع باتجاه إبقاء الملفات الحساسة معلّقة، من دون السعي إلى حلها.
إيران، بحسب المصدر، لا تبحث عن تصعيد منظم، ولا عن تسوية شاملة، بل عن منع أي تحوّل قد يُفسَّر كتراجع في ساحات أخرى. ومن هنا يأتي التشجيع الضمني على التجميد والمراوحة.
هذا الدور، وإن بدا محدود القدرة، يساهم في إطالة أمد الأزمة، ويمنح القوى المحلية الممسكة بالسلاح مبرراً إضافياً لتأجيل الاستحقاقات.
وحذّر المصدر الدبلوماسي من أن استمرار هذا النمط من التعاطي يرفع المخاطر في الجنوب اللبناني، فعندما يُقفل المسار السياسي، تصبح أي حادثة ميدانية قابلة للتوسّع، ويضيق هامش التدخل الدبلوماسي السريع.
من جانبها قالت مصادر سياسية لبنانية إن تصريح نعيم قاسم بشأن تأجيل سحب السلاح يكشف عن مأزق سياسي واضح، موضحةً أن الحزب لم يعد قادراً على تقديم أي إجابة مقنعة حول مستقبل سلاحه، ولا يملك في الوقت نفسه القدرة على فرض استمرار هذا الواقع كما في السابق.
وأضافت المصادر في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن طلب التأجيل، بصيغته الحالية، يهدف إلى شراء الوقت، معتبرةً أن هذا السلوك بات نمطاً ثابتاً لدى الحزب كلما ضاقت خياراته.
وتابعت المصادر أن الحزب يتصرّف اليوم كقوة تحاول تجميد الواقع، لافتةً إلى أن غياب أي التزام زمني أو سياسي في تصريح نعيم قاسم يؤكد أن الحزب لا يريد حلاً، بل يريد تأجيل مواجهة واقع لم يعد قابلاً للتأجيل.
وأشارت إلى أن خطورة هذا الموقف تكمن في أثره العملي على الجنوب اللبناني، إذ إن إقفال المسار السياسي يترك الميدان مفتوحاً أمام احتمالات غير محسوبة، ويجعل أي حادثة صغيرة قابلة للتحوّل إلى أزمة أوسع، في ظل غياب قنوات ضبط أو احتواء.
وأضافت أن الإصرار على إبقاء السلاح خارج أي إطار سياسي أو مؤسسي، يضع لبنان في موقع الطرف المعرّض دائماً لتداعيات قرارات لا يشارك في صنعها.
وختمت المصادر بالقول إن استمرار هذه السياسة يزيد من احتمالات التصعيد العسكري في الجنوب، لأن الحزب يعطّل كل ما يمكن أن يمنع الحرب، مضيفةً أن أخطر ما في المرحلة الحالية هو إدارة الأزمة من دون أي أفق، وترك الجنوب في حالة انتظار مقلقة.
الباحث اللبناني المتخصص في الشؤون السياسية والأمنية، جمال الأسعد، يرى خلال حديثه لـ"إرم نيوز" أن مطلب حزب الله بتأجيل سحب السلاح هو إقرار غير مباشر بانسداد سياسي عميق يواجهه الحزب.
ويضيف أن الحزب الذي راكم حضوره العسكري في مرحلة مختلفة تماماً، لم يعد قادراً اليوم على تحويل هذا الحضور إلى رواية سياسية مقنعة داخل لبنان، خصوصاً في ظل الانهيار الاقتصادي وتغيّر المزاج العام.
ويتابع الأسعد أن المشكلة الأساسية تكمن في غياب أي تصور لكيفية الخروج من وجود السلاح. فالحزب بحسب تحليله، عالق بين خيارين كلاهما مكلف: "إما الاعتراف بأن استمرار السلاح خارج الدولة لم يعد قابلاً للدفاع عنه، أو الاستمرار في التعطيل وتأجيل المواجهة السياسية مع هذا الواقع".
ويحذّر الأسعد من أن هذا النمط من المراوحة يحمّل الجنوب اللبناني كلفة سياسية وأمنية متزايدة، ويختم بالقول إن أخطر ما في خطاب التأجيل هو أنه يعكس فقدان القدرة على المبادرة، ويضع لبنان أمام أزمة قرار سيادي مؤجلة لا أكثر.
بدوره يعتبر المحلل والخبير الاستراتيجي دانيال روثفيلد أن تصريح "حزب الله" حول تأجيل سحب السلاح ينسجم مع نمط إيراني أوسع يقوم على إدارة الأزمات. ويشير خلال حديثه لـ"إرم نيوز" إلى أن النظام الإيراني لم يعد في موقع يسمح له بفرض تسويات إقليمية، لكنه ما زال قادراً على تعطيل المسارات السياسية عبر إبقاء الملفات مفتوحة ومعلّقة.
ويضيف روثفيلد أن إيران تنظر إلى الساحة اللبنانية اليوم كمساحة لتفادي الخسارة، دون تحقيق مكاسب جديدة. فالتوجيه الذي يصل إلى حزب الله، وفق تقديره، يهدف إلى منع أي خطوة قد تُفهم كتراجع أو تنازل، حتى لو أدى ذلك إلى إطالة أمد التوتر وتعريض مناطق مدنية جديدة لمخاطر مستمرة.
ويحذّر روثفيلد من أن هذا الأسلوب، القائم على التشويش واستثمار الفراغ، يزيد من قابلية الجنوب اللبناني للتصعيد غير المقصود. ويخلص إلى أن ما يجري لا يعكس قوة محور إيران، بل خوفه من فقدان أوراقه، واستخدامه لبنان كمساحة انتظار مكلفة للآخرين.