لفت خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي ألقاه في وقت مبكر فجر اليوم الخميس، أنظار الأوساط السياسية التي ركزت على عدة نقاط، كان أهمها تأكيده على عدم الانجرار نحو حرب جديدة وإصراره على وأد الفتنة الطائفية في السويداء ولو مرحلياً.
وأعقب خطاب الشرع المتلفز، سحب القوات السورية كافة من السويداء، بالتزامن مع إعلان واشنطن التوصل لاتفاق حول خطوات محددة تنهي "الوضع المقلق والمرعب" في سوريا.
ورأى مراقبون أن الشرع نفذ انسحاباً تكتيكياً مدروساً من السويداء مؤجلاً صداماً حتمياً كاد أن يحرق سوريا بنار الطائفية، إلى مرحلة مقبلة ربما يتمكن فيها من توطيد أركان حكمه وتعزيز أدوات سيطرته على الأرض وتحسين علاقاته الدولية لمنع تدخل إسرائيل.
وأكد معلقون على كلمة الشرع أنه بعث عبر سطور كلمته رسائل نارية في كل الاتجاهات، وأهمها إسرائيل، التي اتهمها بكل جرأة بتعمد "تصعيد الأوضاع وخلق الفتن في السويداء وتحويل البلاد إلى ساحة فوضى غير منتهية"، حسب تعبيره.
مراوغة سياسية
ولعل من أبرز الرسائل التي تضمنتها كلمة الشرع قوله إن "امتلاك القوة العظيمة لا يعني بالضرورة تحقيق النصر، كما أن الانتصار في ساحة معينة لا يضمن النجاح في ساحة أخرى، فقد تكون قادراً على بدء الحرب ولكن ليس من السهل أن تتحكم في نتائجها".
وتضمنت رسالة أخرى للشرع مراوغة سياسية لتحرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في سوريا، الذي منح نفسه رخصة للتدخل ميدانياً.
وبرز ذلك في تأكيد الشرع على تجنب خوض أي معارك خاسرة بقوله إننا "نعرف جيداً من يحاول جرنا إلى حرب هدفها تفتيت سوريا ودفعها نحو الفوضى والدمار، ومن يسعى إلى تقسيمنا، ولن نعطيهم الفرصة بأن يورّطوا شعبنا في حرب يرغبون في إشعالها على أرضنا".
وساطة وتهدئة
وتشير شبكة "سي إن إن" الأمريكية، في تحليلها للأحداث، إلى أن الشرع تجاوب مع تدخل أمريكي سريع لمنع اشتباك أكبر بين الدولتين المتجاورتين بعد تنفيذ إسرائيل ضربات عنيفة ضد قوات الحكومة السورية، بذريعة حماية أمن الدروز.
وألمح الشرع إلى ذلك، خلال كلمته، حين قال إن "تدخلاً فعالاً للوساطة الأمريكية والعربية والتركية أنقذت المنطقة من مصير مجهول، بعد تصعيد إسرائيلي واسع للمنشآت المدنية والحكومية؛ ما أدى إلى تعقيد الوضع بشكل كبير".
وقال: "لقد كنا بين خيارين، الحرب المفتوحة مع الكيان الإسرائيلي على حساب أهلنا الدروز وأمنهم، وزعزعة استقرار سوريا والمنطقة بأسرها، وبين فسح المجال لوجهاء ومشايخ الدروز للعودة إلى رشدهم، وتغليب المصلحة الوطنية على من يريد تشويه سمعة أهل الجبل الكرام".
وبرر الشرع تلك الخطوة بالقول: "لسنا ممن يخشى الحرب.. لكننا قدمنا مصلحة السوريين على الفوضى والدمار، فكان الخيار الأمثل في هذه المرحلة هو اتخاذ قرار دقيق لحماية وحدة وطننا وسلامة أبنائه بناء على المصلحة الوطنية العليا".
وضع مرعب
وينسجم ما جاء في كلمة الشرع مع تصريح لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الأربعاء، كشف فيه عن عقد اتفاق بين الأطراف المختلفة المتصارعة في سوريا، على خطوات محددة من شأنها إنهاء الاشتباكات هناك.
ووصف الوزير الأمريكي، في مقطع مصور من البيت الأبيض، التوتر الأخير بين إسرائيل وسوريا بأنه "سوء فهم"، قائلاً: "لقد كنا نتواصل معهم طوال الصباح وأشركنا جميع الأطراف المنخرطة في الاشتباكات في سوريا".
وأضاف روبيو: "اتفقنا على خطوات محددة من شأنها إنهاء هذا الوضع المقلق والمرعب الليلة"، مشدداً على أن "ذلك سيتطلب من جميع الأطراف الوفاء بالالتزامات التي تعهدوا بها وهذا ما نتوقع منهم أن يفعلوه بالكامل"، وفق قوله.
وتبقى التطورات المتعلقة بسوريا في المستقبل القريب، على الأرض وفي السماء، مرهونة بقدرة الشرع على ضبط الأوضاع الداخلية، ومدى تحكم واشنطن في رغبة نتنياهو التوسعية في كل الاتجاهات، وفق مراقبين.