قالت مصادر أهلية وإعلامية في محافظة درعا جنوبي سوريا إن المحافظة تعيش مسلسلا مستمرا من الفلتان الأمني دون أي أفق واضح لوضع حد للاغتيالات المتنقلة في المحافظة الجنوبية وريفها.
وتكشف المصادر في حديثها لـ "إرم نيوز" عن أنّ معظم الاغتيالات تنفَّذ بأسلوب "اضرب واهرب" عبر مسلّحين تقلّهم دراجات نارية أو سيارات مجهولة، ويستهدفون الضحايا من مسافات قريبة.
أكد مصدر إعلامي المحلي لـ"إرم نيوز" أن مجموعات تتبع لعدة جهات، أبرزها الميليشيات الإيرانية، وخلايا تابعة لتنظيم "داعش"، وعصابات منظمة، تقف وراء هذه العمليات، حيث تجمع هذه الأطراف مصلحة مشتركة في إبقاء الوضع الأمني بعيدا عن الاستقرار، حسب قوله .
ووفقا لمتابعاته وتحقيقات الأمن الداخلي، يلفت المصدر الإعلامي، إلى وجود مجموعات تمتلك خبرة سابقة وتعمل بتنسيق محكم فيما بينها، في عمليات تحديد الأهداف ورصدها ومتابعتها. مشيرا إلى وقوف عناصر من تنظيم "داعش" وراء بعض هذه العمليات وخصوصاً بعد ورود أنباء عن تدفق عناصر من التنظيم كانوا موجودين في بادية السويداء، إلى محافظة درعا مستغلين الأحداث الأمنية التي حصلت منتصف تموز الفائت.
وبيّن أن هذا الأسلوب في العمليات ليس جديداً، بل هو أسلوب اعتمدته بعض المجموعات التي كانت ترتبط بأجهزة استخبارات النظام السابق وإيران، حيث إن تنفيذ هذه العمليات يحتاج إلى خبرة لدى العناصر وتدريب متواصل على استخدام تقنيات التفجير عن بعد.
وتقول المصادر الأهلية إن بعض من كانوا من أصحاب السوابق أو من عناصر التنظيمات أو النظام أصبحوا ضمن جهاز الشرطة والجيش، وهذا يتطلب تطهير جهاز الأمن من "الشوائب" وتفعيل دوره.
ورجحت أن يكون اغتيال قيادات سابقة في "الجيش الحر" بدرعا واغتيال عناصر في الأمن العام مؤشرا على أنها جزء من ثارات قديمة بين الفصائل والمقاتلين، قد تغذيها أطراف أخرى مرتبطة بفلول النظام مثل "المجلس العسكري" في السويداء وبقايا "اللواء الثامن" على حد قولها.
وتشهد محافظة درعا حالة من الفلتان الأمني، تجسدت بعمليات اغتيال وخطف وجرائم جنائية متكررة، تطال ناشطين وعناصر سابقين في الفصائل المسلّحة وشخصيات مدنية بارزة، كان آخرها محاولة اغتيال القيادي السابق في حركة "أحرار الشام" والعضو في حملة "أبشري حوران"، منيف القداح، مطلع سبتمبر/ أيلول الجاري.
وبحسب التقرير الحقوقي الصادر عن مكتب تجمع أحرار حوران للنصف الأول من عام 2025، فقد قُتل 217 شخصاً خارج نطاق القانون، من بينهم 52 قضوا خلال 80 عملية ومحاولة اغتيال متفرّقة شهدتها المحافظة.
كما وثق التقرير مقتل 47 شخصاً بجرائم جنائية، بالإضافة إلى 21 حالة خطف، انتهت بمقتل 10 مختطفين، والإفراج عن 10 آخرين، بينما لا يزال شخص واحد قيد الاختطاف.
كما طالت عمليات الاغتيال عناصر في قوى الأمن الداخلي وناشطين إعلاميين. وكان أبرز هذه الحوادث استهداف دورية أمنية، في 12 من حزيران الحالي، على طريق مساكن جلين بعد خلاف مع قيادي سابق في "الجيش الحر".
وفي 10 من حزيران، قُتل عنصر من قوى الأمن الداخلي في بلدة حيط في ريف درعا الغربي، سبقها بأيام استهداف عنصرين على طريق مساكن جلين.
ومنذ عام 2018، ولسنوات، شهدت درعا عمليات اغتيال متصاعدة، تراجعت وتيرتها فقط خلال الأشهر الثلاثة الأولى بعد سقوط نظام بشار الأسد، في 8 من كانون الأول 2024، لكن سرعان ما عادت بقوة لتستهدف شخصيات قيادية وإعلامية ومتطوعين في قوى الأمن الداخلي.
الناشط محمد المصري، المقيم في محافظة درعا، أرجع حوادث الاغتيال لضعف القوة الأمنية في مختلف أنحاء المحافظة، وإلى وجود مجموعات تتبع لعدة جهات أبرزها الميليشيات الإيرانية، وميليشيات معارضة لنظام الشرع، وخلايا "داعش"، معتبرا أنها صاحبة المصلحة الكبرى بضرب الاستقرار في المحافظة.
وقال المصري لـ "إرم نيوز" إن هناك إهمالا وتراخيا في نزع السلاح وعدم تفعيل المراكز الأمنية بالشكل اللازم في المحافظة.
ورغم أن قيادة الأمن الداخلي في محافظة درعا، تشددت ضد حاملي السلاح، وهددت المخالفين بالخضوع لإجراءات قانونية مشددة، فإن المصري لا يعتقد أن الاغتيالات ستتوقف بناء على هذا القرار، مشيرا إلى أن القرار الجديد قد يحد من وجود السلاح في أيدي المدنيين، وهذا أمر إيجابي، لكنه لن يعالج المسألة الأهم، وهي خلايا "داعش" وإيران التي تعمل وفقا لخطط دقيقة، وربما تنسق مع بعضها البعض، حسب قوله.
وأصدر الأمن الداخلي في السادس من شهر سبتمبر الجاري قرارا بمنع حمل الأسلحة في الأماكن العامة. وقال بيان صادر عنه إن "حمل السلاح بشكل غير قانوني يشكل تهديداً مباشراً لأمن المجتمع واستقراره ويُعد مخالفة صريحة للقوانين والأنظمة النافذة".
وأضاف البيان: "يُمنع منعاً باتاً حمل السلاح في الأماكن العامة والتباهي به أو استخدامه في المناسبات والتجمعات ويمنع استخدامه في أي شكل من أشكال التهديد أو الابتزاز".
وأكد أن المخالفين لهذه التعليمات "سيُتخذ بحقهم الإجراء القانوني الرادع، دون أي تهاون حفاظاً على أمن المواطنين وصوناً لهيبة القانون".