تتوسع الاحتجاجات في إيران منذ 28 ديسمبر/كانون الأول 2025 من الأسواق إلى الجامعات، على وقع انهيار الريال وارتفاع التضخم، فيما تعرض الحكومة "آلية حوار" لاحتواء موجة الغضب.
في المقابل، يتصاعد خطاب أمريكي - إسرائيلي يربط الضغط الخارجي بالهشاشة الداخلية، عبر رسائل سياسية وإعلامية واضحة تدعم المتظاهرين وتُلوّح بأن "التغيير" في طهران قد يأتي من الداخل، أو يُدفع باتجاهه عبر ضربات جديدة إذا أعادت إيران بناء قدراتها النووية أو الصاروخية.
وبين الشارع والتهديدات، يطرح مراقبون سؤالا مركزيا مع دخول العام الجديد: هل يتم توظيف الاحتجاجات كـ "نافذة عملياتية" ونفسية لتوسيع الضغوط على طهران وصولا إلى سيناريو "كسر النظام" أم أن سقف واشنطن وتل أبيب ما زال محصورا بردع البرنامجين النووي والصاروخي؟
ترصد تقارير غربية انتقال الاحتجاجات من مطالب معيشية مرتبطة بانهيار العملة وغلاء الأسعار إلى شعارات سياسية في بعض المناطق، مع دخول الطلاب على خط التظاهر وتكرار الاحتكاكات مع قوات الأمن واستخدام الغاز المسيل للدموع في طهران.
وفي محاولة لاحتواء التصعيد، نقلت تقارير عن متحدثة باسم الحكومة الإعلان عن آلية للحوار مع "قادة الاحتجاجات" أو ممثلين عنها، بالتوازي مع خطاب رسمي يقرّ بعمق الأزمة الاقتصادية.
الباحث السياسي السوري مازن بلال يرى أن هذا التوسع - خاصةً حين يتزامن إضراب السوق مع دخول الجامعات - يُقلق المؤسسة الأمنية في إيران، لأن التحالف التاريخي بين "البازار" وشرائح الطلاب كان في محطات سابقة مؤشرا على انتقال الاحتجاج من موجة عابرة إلى أزمة ممتدة. مضيفا أن الضغوط المعيشية المتصلة بعجز الميزانية وتراجع الإيرادات تخلق أرضية قابلة لتكرار موجات احتجاج متقاربة زمنيًا في الربع الأول من 2026 إذا فشلت إجراءات التهدئة.
في إسرائيل، لم يعد دعم الاحتجاجات في إيران هامشيًا. تصريحات بنيامين نتنياهو خلال 2025 حملت رسائل مباشرة للإيرانيين، داعيا إياهم إلى "الوقوف" بوجه النظام ومؤكدا أن معركة إسرائيل ليست مع الشعب الإيراني بل مع "النظام" الذي يصفه بالقمعي.
الأهم أن نتنياهو، وفي ذروة نقاشات "اليوم التالي" بعد ضربات 2025، قال إن "تغيير النظام في إيران قد يكون نتيجة" للهجمات العسكرية الإسرائيلية، وهو تصريح فُسّر على أنه انتقال من الردع إلى التفكير بنتائج سياسية كبرى للعمليات العسكرية.
هذا الخطاب، وفق المحلل السياسي أنس جودة، يخدم هدفين متداخلين: أولا، حرب نفسية لتغذية الشك داخل معسكر السلطة في طهران حول تماسك الجبهة الداخلية. وثانيا، خلق شرعية إعلامية مسبقة لأي ضربة مقبلة، عبر تصويرها كضربة لنظام لا لدولة، وكمساندة لشعب يحتج في الداخل.
على الخط الأمريكي، عاد دونالد ترامب أمس ليقول إن الولايات المتحدة قد تدعم ضربة إسرائيلية جديدة على طهران إذا ثبت أن إيران تعيد بناء برنامجها النووي أو الصاروخي في "مواقع أخرى" بعد ضربات سابقة، في رسالة جاءت عقب لقائه مع نتنياهو.
وبالتوازي، نقلت وكالة أسوشيتد برس تحذير الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من "رد قاسٍ ورادع" على أي هجوم، في مؤشر على أن طهران تقرأ التهديدات بوصفها احتمالات عملية لا مجرد ضغوط كلامية.
من هنا، يشير بلال إلى أن دعم الاحتجاجات من جانب مسؤولين أمريكيين (ولو بصيغ متفاوتة) يمنح "الضغط من الداخل" وظيفة إضافية في الحسابات الأمريكية، من قبيل "زيادة كلفة أي رد إيراني لاحق، لأن النظام سيكون مضطرا لتوزيع جهده بين ضبط الشارع ورفع الجاهزية العسكرية، ما يفتح مساحة أوسع لعمليات سيبرانية أو ضربات محدودة أو عمليات تعطيل لوجستي".
لا يوجد ما يؤكد أن واشنطن وتل أبيب تتجهان إلى "هجوم لإسقاط النظام" بوصفه هدفا معلنا ومباشرا حسب ما يقول بلال. لكن توسع الاحتجاجات، وتصاعد خطاب "التغيير"، وتهديدات ضربات جديدة، يرسم مسارا عمليا أكثر خطورة من مجرد ردع تقني.
وتتحدث تقارير غربية عن السيناريوهات المتوقعة بداية 2026. السيناريو الأول يتمثل بـ"تصعيد متدرّج" لا في حرب شاملة، عبر ضربات محدودة أو متقطعة تستهدف قدرات مرتبطة بإعادة بناء البرنامجين النووي والصاروخي، مع ترك باب "الإنكار" مفتوحا أو الاكتفاء برسائل ردع محسوبة.
السيناريو الثاني، يتجه وفقا للتقارير نحو توسيع العمل الاستخباري والعملياتي من الداخل؛ حيث تناولت تقارير بحثية أنماط عمليات سابقة تضمنت تفكيك دفاعات أو خلق "نقاط عمياء" عبر شبكات ووسائط داخلية، وهو نموذج يمكن تكراره عندما تكون الدولة منشغلة بامتصاص الاحتجاجات.
أما السيناريو الثالث فيمكن أن يكون عبر حملة تأثير إعلامي، هدفها الدفع برسائل إسرائيلية علنية لدعم المحتجين، بما يراكم شعورا بأن النظام معزول، ويعمّق الانقسام داخل النخب حول "كلفة المواجهة".
في المقابل، تفيد قراءات مراكز بحثية غربية أن طهران تمتلك هامش رد معروفا، يقوم على تشديد القبضة الأمنية، ورفع مستوى التهديد الإقليمي عبر الوكلاء، أو توجيه ضربات صاروخية وإطلاق مسيرات على أهداف حساسة، مع محاولة تصوير الاحتجاجات كجزء من "مخطط خارجي".
وتلفت إلى أن خطاب بعض قادة المؤسسة الإيرانية سبق أن اتهم خصوما بالرهان على "فوضى من الداخل" بعد ضربات، ما يوحي بأن هذا السيناريو حاضر في عقل طهران كتهديد مركزي.
في هذا السياق، يعتقد الكاتب السياسي أنس جودة أن إسرائيل قد لا تحتاج إلى "استغلال" الاحتجاجات عبر دعم مباشر للشارع، بل يكفيها أن تعتبرها ظرفا يضعف التركيز الأمني الإيراني ويؤخر اتخاذ القرار، بما يتيح نافذة أنسب لضربات محسوبة. أما هدف "إسقاط النظام"، فيبدو حتى الآن أقرب إلى نتيجة محتملة تريد تل أبيب إبقاءها على الطاولة، أكثر من كونه هدفا أمريكيا مُعلنا يسير بخطة واحدة ثابتة.
ويخلص إلى أن الولايات المتحدة ستواصل التهديد بضربات جديدة كأداة ردع، مع إبقاء باب التفاوض والمساومة قائما، بينما يشكل دعم ترامب المعلن لفكرة "ضربة جديدة" مظلة سياسية لأي خطوة إسرائيلية.