logo
العالم العربي

وقف النار في غزة... اتفاق مؤقت أم بداية مسار جديد؟

رجل فلسطيني يمشي وسط الدمار في قطاع غزةالمصدر: رويترز

اعتبر محللون أن جوهر المرحلة الأولى من "اتفاق غزة"، بين حركة حماس وإسرائيل، يقوم على فكرة "خفض التماس"، إذ أن إعادة الانتشار الجزئي لا يُغيّر ميزان القوى، لكنها تمنح المسار الإنساني فرصة للتنفس.

وبيّنوا لـ"إرم نيوز"، أن المرحلة تُعد كآليةٍ وسطى لتثبيت الحد الأدنى من الاستقرار، وتأجيل النقاط الخلافية إلى مرحلةٍ يمكن فيها اختبار توازنٍ جديد على الأرض.

ورجحوا أنّ المرحلة التالية من الاتفاق لن تتبلور قبل مرور فترة اختبارٍ ميداني لا تقلّ عن أسبوعين، مؤكدين أنّ "أيّ خرقٍ واسع أو تصعيدٍ موضعي سيُعيد الأمور إلى نقطة الصفر".

ولم تُقدَّم المرحلة الأولى من الاتفاق، الذي تخللته جولات قصفٍ متكررة ومحاولات فاشلة لفرض تهدئة مستقرة، باعتبار الاتفاق تسويةً نهائية، بل كاتفاقٍ ميداني محدود يهدف إلى وقف العمليات وتنظيم الوضع الميداني في القطاع، مع ترك الباب مفتوحاً لاحتمال توسيعه مستقبلاً إذا أثبتت المرحلة الأولى قابليتها للاستمرار.

اتفاق على حافة الاختبار

وقال مصدر سياسي فلسطيني مطّلع، إن المرحلة الأولى من "اتفاق غزة" تُدار ضمن سقفٍ إنساني وأمني ضيّق، هدفه الأساس تثبيت الهدوء الميداني وتخفيف الكلفة الإنسانية، دون أن تتضمّن حتى الآن أي التزامات سياسية واضحة أو ترتيبات نهائية.

وأوضح لـ"إرم نيوز"، أن البنود الجاري تنفيذها تركّز على وقف العمليات الميدانية، وتنظيم إدخال المساعدات عبر ممرّات إنسانية بإشراف الأمم المتحدة ووكالاتها، مع ترك التفاصيل الأوسع لتقييم لاحق بعد انتهاء المرحلة الأولى.

أخبار ذات علاقة

دبابات إسرائيلية على حدود غزة

الجيش الإسرائيلي يبدأ الانسحاب من مدن غزة (فيديو)

 وأضاف المصدر الفلسطيني أن الجدول الزمني للتنفيذ قصير وقابل للتجديد، وأن "أي خرقٍ ميداني أو تأخيرٍ في الالتزام ببندٍ واحد يمكن أن يؤدي إلى تعليق المرحلة بأكملها"، مشيراً إلى أن هذا الترتيب "صُمِّم ليكون اختباراً ميدانياً لمدى التزام الأطراف أكثر من كونه اتفاقاً سياسياً كاملاً".

وبيّن أنّ "زيادة حجم المساعدات أو توسيع نطاقها مشروط ببقاء الهدوء، وهو ما يجعل الجانب الإنساني رهينة التطورات الميدانية"، لافتًا إلى أنّ المرحلة التالية من الاتفاق لن تتبلور قبل مرور فترة اختبارٍ ميداني لا تقلّ عن أسبوعين، وأنّ "أيّ خرقٍ واسع أو تصعيدٍ موضعي سيُعيد الأمور إلى نقطة الصفر".

ونوّه المصدر الفلسطيني بأن المرحلة الثانية قد تتّجه نحو تثبيت خطوط تماسّ مؤقتة وتوسيع إشراف الأمم المتحدة على المعابر والعمليات الإنسانية، موضحًا أنّ "ذلك لا يعني انتقالاً إلى تسوية، بل استمراراً في إدارة الهدوء بوسائل دبلوماسية وتكنولوجية أكثر تنظيماً".

ولفت إلى أن لغة الاتفاق جاءت عامة في بعض فقراتها لتجنّب الخلاف على التفسير، مضيفًا أن "هذا الغموض في الصياغة وفّر مرونة لتمرير المرحلة الأولى، لكنه في الوقت نفسه يترك هامشاً لتباين التأويل في المراحل التالية".

وذكر المصدر الفلسطيني أن آلية المراقبة ستكون فنية وإدارية وليست ميدانية، إذ ستعتمد على متابعة أممية من خلال فرق متخصصة تجمع البيانات وتقدّم تقارير دورية عن الالتزام، "من دون وجود جهة حتى الآن تمتلك صلاحية التدخل المباشر عند الخروقات أو فرض إجراءات تنفيذية".

وأكد أن الحديث الحاسم عن تبادل الأسرى أو التفاهمات السياسية ما يزال مؤجّلاً إلى ما بعد التثبيت الكامل للهدنة، لافتاً إلى أن "المرحلة الحالية تقتصر على الترتيبات الميدانية والإنسانية، في حين سيُعاد تقييم مسار الاتفاق، لاحقاً، وفقاً لمدى نجاح هذه المرحلة في الحفاظ على الاستقرار".

ومضى المصدر الفلسطيني، قائلًا: "الاتفاق الراهن لا يُعدّ تسويةً نهائية، لكنه يفتح نافذة محدودة لاختبار إمكانية تثبيت الهدوء. نجاحه أو تعثّره في الأيام المقبلة سيحددان ما إذا كان ممكناً البناء عليه كإطارٍ أكثر استقراراً، أم أنّه سيبقى مجرّد هدنةٍ مؤقتةٍ قابلةٍ للانهيار عند أول اختبارٍ ميداني".

ضبط إيقاع الميدان

بدوره اعتبر الباحث السياسي، عزام منصور، أنه وضمن السياق الميداني الحالي، تبدو الفترة "المرحلية" الخيار الأكثر واقعية أمام الأطراف المعنية بإدارة وقف إطلاق النار.

وأوضح لـ"إرم نيوز"، أنه بعد عامين من العمليات المتقطعة، لم يعد ممكناً فرض تسوية شاملة في بيئةٍ غير مستقرة، ولا الاستمرار في التصعيد من دون كلفة بشرية وسياسية باهظة، لذلك تبرز الفترة "المرحلية" وفق تقديره كآليةٍ وسطى لتثبيت الحد الأدنى من الاستقرار، وتأجيل النقاط الخلافية إلى مرحلةٍ يمكن فيها اختبار توازنٍ جديد على الأرض.

ومضى الباحث منصور، قائلًا: "من هذه الزاوية، تُقرأ المرحلية كأداةٍ لضبط إيقاع الميدان، وتحويل وقف النار من حدثٍ طارئ إلى عمليةٍ يمكن قياسها وتوسيعها تدريجياً".

أخبار ذات علاقة

غزيون يحتفلون بإعلان التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب

"قضايا عالقة".. اتفاق ترامب يترك ملفات حساسة في غزة "دون حل"

 وبيّن أن "المستوى المرحلي يسمح بإدخال مفاهيم تقنية إلى المشهد مثل المراقبة، والتقارير، والاختبار الزمني. وهي أدوات تتيح بناء الثقة من أسفل، قبل الدخول في القضايا السيادية الكبرى. هذه المقاربة تخلق مساحةً للتنفس السياسي داخل واقعٍ مغلق".

كما اعتبر الباحث منصور أن القبول بصيغةٍ مرحلية يعكس إدراكاً بأن الصراع في غزة تجاوز قدرات الحسم العسكري، وأن أي اتفاقٍ شامل في هذه اللحظة سيُولد هشّاً بفعل اختلال موازين القوى وانعدام الثقة، لذلك، يُفهم الاتجاه نحو الفترة "المرحلية" كخيارٍ لتقليل الخسائر، وتثبيت خطوط تماس مؤقتة.

ولفت إلى أن الفترة "المرحلية" هنا ليست بديلاً عن التسوية، بل إطاراً وقائياً يمنع الانهيار الكامل ويتيح اختبار إمكان التعايش مع الهدوء قبل الخوض في جوهر القضايا الخلافية.

هندسةً ميدانية

من جهته، رأى الباحث في العلاقات الدولية، صائب رومية، أن أهمية البنود المطروحة تُقاس بقدرتها على إنتاج سلوكٍ ميداني مختلف، مضيفًا أن "وقف إطلاق النار سيُختبر بالهدوء الفعلي على الأرض، وتبادل الأسرى هو مؤشر على الانضباط والتنفيذ الدقيق".

وأعتبر لـ"إرم نيوز" أن ذلك النمط من الإجراءات المحدودة يمنح كل طرفٍ فرصة مراقبة الآخر في بيئةٍ مضبوطة، ما يجعل المرحلة الأولى أقرب إلى آلية مراقبة متبادلة منها إلى تفاهمٍ سياسي.

وبيّن الباحث رومية أن جوهر المرحلة الأولى يقوم على فكرة "خفض التماس"، فإعادة الانتشار الجزئي لا يُغيّر ميزان القوى، لكنها تمنح المسار الإنساني فرصة للتنفس، لافتًا إلى أنه يمكن النظر إلى هذه الترتيبات بوصفها هندسةً ميدانية مؤقتة تهدف إلى تثبيت الوضع الراهن، وتخفيف الأداة على المدنيين، ريثما تتضح ملامح التوازن الجديد بين الميدان والسياسة.

كما أنّ هذه المقاربة المرحلية، بحسب رومية، تُبرز تحوّلاً في طريقة إدارة الصراع، من منطق الحسم العسكري إلى منطق التحكّم بالإيقاع، فبدلاً من السعي إلى اتفاق شامل غير واقعي في هذه اللحظة، يجري اختبار إمكانية البناء على هدوءٍ متدرّج يقيس قدرة الأطراف على الالتزام أكثر مما يقيس رغبتها في التفاهم.

ضمانات التنفيذ والرقابة

في الاتفاقات من هذا النوع، يُثار دائماً سؤال الضمان والرقابة، فمن يملك القدرة على متابعة التنفيذ وضمان الالتزام بالبنود، وفي حالة "اتفاق غزة" تبدو الرقابة المقترحة محدودة الطابع، إذ تعتمد على متابعةٍ دبلوماسية وتقارير دورية أكثر من اعتمادها على وجودٍ ميداني مباشر.

ويعكس ذلك النمط من المتابعة إدراكاً بصعوبة نشر آلية تنفيذية على الأرض، ويُبقي مهمة الحفاظ على الهدوء رهينة لتوازنٍ بين الضبط الذاتي والمراقبة غير المباشرة.

ويمكن النظر إلى هذه الصيغة كخيارٍ عمليٍ مؤقت، يهدف إلى تثبيت التهدئة ضمن الإمكانات المتاحة، فالاتفاق لا يقوم على إجراءات ردعية بقدر ما يعتمد على إدارة التواصل وتقييم الالتزام المتبادل. بهذا المعنى، تشكّل المراقبة الدبلوماسية وسيلةً لتقليل المخاطر، وهو ما يجعل نجاحها مرتبطاً بمدى انضباط الميدان.

وفي حال أثبتت المرحلة الحالية قدرتها على الصمود، يمكن أن تشكّل قاعدةً لتوسيع نطاق التفاهم نحو قضايا أكثر عمقاً، أما إذا بقيت محصورة في الإطار الأمني والإنساني، فستبقى الفترة "المرحلية" أداةً لإدارة الواقع الميداني فقط لا لتغييره، إلى أن تتوافر ظروف أكثر ملاءمة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC