قبل عشرة أيام فقط، بدا المشهد في إسرائيل وقطاع غزة في طريق مسدود تماما؛ فالقوات الإسرائيلية واصلت توغلها في مدينة غزة رغم تردد بعض كبار جنرالاتها، استجابة لضغوط سياسية من حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية.
وذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أنه في المقابل، كانت حركة حماس تستخدم الرهائن الإسرائيليين كوسيلة ضغط، فيما وجد مئات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين أنفسهم بين خطوط النار أو في مخيمات مكتظة جنوب القطاع.
ومع مرور الذكرى الثانية لهجوم السابع من أكتوبر الذي فجّر هذه الحرب، يلوح بصيص أمل سياسي جديد مع بدء مفاوضات وقف إطلاق النار في مصر.
وجاء هذا التطور نتيجة مبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي طرح خطة متكاملة لوقف القتال بالتنسيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، وحصل على موافقة مشروطة من حماس.
وذكرت الصحيفة أنه رغم الانفراج النسبي، فإن التوصل إلى اتفاق فعلي ما زال بعيد المنال؛ فالمحادثات التي انطلقت في شرم الشيخ بمشاركة إسرائيل وحماس ووسطاء من مصر وقطر والولايات المتحدة، تدور حول تفاصيل معقدة تشكل جوهر الخلاف، من تبادل الأسرى إلى الانسحاب التدريجي ونزع السلاح، وهي ملفات لم تحسم بعد رغم التوافق المبدئي على ضرورة إنهاء الحرب.
تُعد صفقة تبادل الأسرى أبرز بنود خطة ترامب؛ إذ تنص على إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين مقابل نحو ألفي أسير فلسطيني، بينهم 250 محكوما بالسجن المؤبد؛ إلا أن الخلافات الجوهرية لا تزال قائمة حول آليات التنفيذ.
فمن سيحدد أسماء الأسرى الذين سيُفرج عنهم؟ وهل سيسمح بإطلاق شخصيات بارزة مثل مروان البرغوثي؟ كما لم يُحسم مصير المفرج عنهم بعد — هل سيُعادون إلى الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، أم سيُرحّلون إلى دول أخرى؟
وإلى جانب ملف الأسرى، يبرز بند الانسحاب الإسرائيلي من غزة كإحدى أكثر النقاط حساسية في المفاوضات؛ فالنص الحالي للخطة يذكر "انسحاباً تدريجياً" دون تحديد مواعيد واضحة؛ ما يثير مخاوف حماس من احتمال بقاء القوات الإسرائيلية لفترة غير محددة.
وترى الحركة أن غياب جدول زمني واضح قد يسمح لإسرائيل بالمماطلة أو تجميد العملية برمتها، وهو ما قد يُفشل الاتفاق قبل دخوله حيز التنفيذ.
وبينما يحاول الوسطاء المصريون والأمريكيون صياغة حلول وسط، تتزايد الضغوط السياسية على كلا الطرفين: نتنياهو يواجه معارضة داخلية من اليمين المتشدد الرافض لأي انسحاب غير مشروط، في حين تواجه حماس تحدي الحفاظ على موقفها التفاوضي دون أن تُتهم بالتنازل عن "المقاومة".
وأشارت الصحيفة إلى أنه من بين أكثر القضايا تعقيدا تلك المتعلقة بتعريف "نزع السلاح" وآلية الإشراف عليه؛ فبينما توافق حماس على تسليم منصات الصواريخ وبعض الأسلحة الثقيلة، فإنها ترفض تسليم الأسلحة الفردية التي ترى أنها ضرورية لضبط الأمن الداخلي ومواجهة الفصائل المنافسة.
ويطرح هذا الموقف تساؤلات حول مدى قبول إسرائيل بهذا التمييز، وما إذا كانت واشنطن ستضغط لإيجاد صيغة وسط تضمن الأمن دون تفكيك كامل للبنية المسلحة في غزة.
وتمثل هذه المسائل اختبارا مباشرا لقدرة خطة ترامب على الصمود أمام الواقع السياسي والميداني المعقد؛ فنجاح المبادرة يتوقف على مدى استعداد الأطراف لتقديم تنازلات متبادلة، وضمانات واضحة تُلزم الجميع بالتنفيذ وفق جدول زمني محدد.
ويرى مراقبون أن دور الرئيس الأمريكي سيظل حاسماً في هذه المرحلة؛ إذ يعتمد استمرار الزخم الدبلوماسي على تدخله المباشر للحفاظ على مسار المفاوضات ومنع انهيارها.
فبينما ساهم تفاؤله المعلن في تحريك الجمود، تبقى التفاصيل الدقيقة، من مصير الأسرى إلى تعريف نزع السلاح، هي التي ستحدد ما إذا كانت خطة ترامب ستنهي الحرب فعلًا، أم ستُضاف إلى سلسلة المبادرات الفاشلة التي سبقتها.