رأى خبراء عسكريون وسياسيون لبنانيون أن ميليشيات حزب الله قلبت أولويات السيادة الوطنية بإعلاء السلاح، لأنها دونه تتعرض للتفكك وتفقد أرضيتها وشرعيتها، موضحين أن التنظيم العسكري والهيكل الجهادي هما أساس بنية الميليشيات، في وقت تعمل ترسانته لمصلحة مرجعيته في إيران أكثر من كونها للدفاع عن الدولة.
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن أولوية الحفاظ على السلاح على حساب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي تكشف حقيقة منطق حزب الله، وهو أنه بدلاً من أن تكون المعركة لحماية وخدمة الوطن، يصبح الأخير موظفاً لحماية وبقاء السلاح.
ويحمل السلاح المعادلة الأهم للميليشيات اللبنانية لعدة اعتبارات، في مقدمتها أن هذه الترسانة ليست مملوكة أو خاصة لحزب الله ولكنها في عهدته من إيران ليظل هذا العنصر بمرتبة ورقة مواجهة بين تل أبيب وطهران على حساب لبنان، وفي الوقت نفسه، يعد ورقة تفاوض بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي والصاروخي وروزنامة العقوبات الغربية على الأخيرة.
ويقول الخبير العسكري اللبناني، العميد مارسيل بالوكجي، إن حزب الله أيدلوجي، يتعرض للتفكك ويفقد أرضيته وشرعيته إذا ضاع السلاح، لذا فإن التنظيم العسكري والهيكل الجهادي هما أساس بنيته وهذه الترسانة لمصلحة مرجعيته في إيران أكثر من كونها للدفاع عن الدولة، وبهذا يكون التركيز على السلاح وإعلاؤه، لأنه ركيزة وجوده بالداخل اللبناني، ما يجعله واضحًا في قلب أولويات "السيادة".
وأوضح بالوكجي في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن حزب الله يمارس سياسة ابتزاز بالداخل ويرسل إشارات متناقضة، ما بين أنه مع المفاوضات ولكنه أيضا لن يسلم سلاحه، في وقت لم ينفذ فيه القرار 1701 بشكل كامل، ولذا فإن التفاوض الذي تقوم به الدولة عبر لجنة الميكانيزم هو تضييع للوقت، لا سيما أن هذه اللجنة أُسِّسَت لتنفيذ القرارات الدولية، لذلك فإن لبنان يدور في حلقة مفرغة بلا حلول.
وأفاد بالوكجي بأن حزب الله يرمم ترسانته ليبقى امتداده بالدولة اللبنانية معززًا وقويًا لمرحلة ثانية، في وقت بدأت تتصاعد فيه مؤشرات القلق من مقاربة أمريكية إيرانية، بتنفيذ نزع السلاح في جنوبي الليطاني فقط، ما يعطي ضمانة لإسرائيل بحماية أمنها، ويسقط حينئذ القرار الأممي 1559 الذي يدعو إلى انسحاب جميع القوات الاجنبية من لبنان، ونزع سلاح جميع الميليشيات، وتأكيد سيادة الدولة.
واستكمل بالوكجي بأنه لا يظهر من الميكانيزم الوصول إلى حل حقيقي في وقت شهد اجتماع باريس مع قائد الجيش رودلف هيكل عرض أفكار، وسط عدم تحديد موعد آخر لاجتماع فبراير القادم، ما يعني أن المحاور مبهمة، ويعكس في النهاية أن اجتماعات اللجنة الخماسية أو باريس تدور في فلك إجبار تنفيذ عملية حصر السلاح للانتقال إلى خطوة أخرى، ليقع لبنان أمام معضلة "الدجاجة قبل البيضة" أم العكس.
وترى الباحثة اللبنانية المتخصصة في التواصل السياسي، نسرين علي ميتا، أن أولوية الحفاظ على السلاح على حساب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي تكشف حقيقة منطق حزب الله، وهو أنه بدلا من أن تكون المعركة لحماية وخدمة الوطن، يصبح الأخير موظفًا لحماية وبقاء السلاح.
وأضافت ميتا في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن ضبط الحدود الجنوبية بدقة، لا انطلاقا من أجل السيادة اللبنانية بل وفقا لنظام إقليمي يراعي مصالح محاور خارجية، وبهذا المعنى لم يكن يوما قرار الحرب والسلم لبنانياً، ولكنه جزء من وظيفة إقليمية أوسع يستثمر فيها لبنان لمصلحة إيران كساحة ضغط ورسائل.
وبينت ميتا أن الأخطر أن السلاح يستخدم اليوم كأداة تفاوض داخلي في ظل انهيار الدولة من حيث الاقتصاد وضعف المؤسسات وتآكل الثقة، وكلها عوامل حولت السلاح إلى عنصر ترهيب سياسي غير مباشر يمنع الدولة أن تكون قادرة على احتكار قرارها السيادي، وهنا تكون المفارقة أن السلاح الذي يرفع شعار حماية لبنان يسهم عمليا في تعطيل قيام الدولة القادرة على حماية مواطنيها.
وتابعت ميتا أن أمام تجنب المواجهة الشاملة مع إسرائيل لا يعكس بالضرورة حكمة استراتيجية بل انتقائية محسوبة، لأن التنظيم يملك القدرة على التصعيد بحسب تصريحات الأمين العام نعيم قاسم، إلا أنه يختار الإدارة لا المواجهة، لأن الحرب قد تكلفه النفوذ الداخلي والسلاح نفسه.
وفسرت بالقول إنه يبدو أن حزب الله في خطابه العلني كأنه يرفض كلياً فكرة تسليم سلاحه، لكنه في العمق يترك هامشاً واضحاً للمناورة، إذ إن الإشارات المتكررة إلى الاستعداد للنقاش توحي بأن ما هو مطروح فعلياً هو التفاوض على السلاح الثقيل، لا على مبدأ السلاح بحد ذاته.
واستطردت أن هذا السلاح المرتبط بالمعادلة الإقليمية وبالحدود قد يتحول إلى ورقة تفاوض، فيما تبقى الترسانة الأخف خارج أي مقايضة جدّية، لافتة إلى أن تمسّكه بهذا السلاح لا يبدو موجهاً إلى الخارج، بقدر ما هو موجه إلى الداخل اللبناني، إذ يشكل أداة حضور دائم ووسيلة فرض قوة، تتجاوز السياسة إلى ميزان الردع الداخلي.
وخلصت بأن هذه الرؤية تجعل السلاح الخفيف ضمانة نفوذ لا مقاومة، ويغدو النقاش حول تلك الترسانة في ظاهره وطنياً، ولكن في جوهره صراع قوة داخل الدولة.