كشفت مصادر أمنية لبنانية عن تحوّل ملحوظ في التركيز العسكري الإسرائيلي، تمثّل في انتقال جزء كبير من العمليات الجوية والاستخبارية من منطقة جنوب نهر الليطاني إلى المناطق الواقعة شماله.
وقالت المصادر لـ"إرم نيوز" إن هذا التحوّل شمل توسّعاً في نطاق الاستهدافات ليطال عمقاً استراتيجياً أوسع، من ضمنه وادي البقاع شرقاً والضاحية الجنوبية لبيروت.
وتواصلت التوترات على الحدود اللبنانية–الإسرائيلية رغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في نوفمبر 2024، حيث سُجّلت غارات إسرائيلية متكررة خلال ديسمبر 2025 على مناطق في البقاع الغربي وجنوب لبنان، من بينها زلايا وأنصار والبيسارية.
وأوضحت المصادر أن هذا التحوّل في الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية يهدف بشكل أساسي إلى زيادة الضغط على حزب الله، عبر استهداف بنى تحتية محتملة ومنع إعادة بناء قدراته العسكرية، فضلاً عن الضغط على الدولة اللبنانية ككل لتفعيل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 بصورة كاملة، بما يشمل نزع السلاح خارج إطار سيطرة الجيش اللبناني.
وأشارت المصادر إلى أن هذه الخطوة تُمكّن إسرائيل من فرض شروطها تدريجياً على لبنان، ولا سيما في ما يتعلق بمراقبة الحدود، ونزع سلاح حزب الله، ومنع أي نشاط عسكري للحزب في مختلف المناطق اللبنانية.
وحددت المصادر ثلاثة أهداف تسعى إسرائيل إلى تحقيقها من خلال تكثيف الضربات شمال الليطاني، تشمل الضغط الديموغرافي والأمني، عبر إدخال مناطق البيئة الحاضنة للحزب في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية ضمن مسرح عمليات مستمر، بهدف إبقاء الضغط على السكان وتهجير أكبر عدد ممكن من المدنيين من هذه المناطق.
كما تهدف الضربات الإسرائيلية إلى تصعيد الضغوط السياسية على الحكومة اللبنانية ودفعها إلى تقديم تنازلات إضافية تتماشى مع الشروط الأمريكية–الإسرائيلية، وفي مقدمتها تسريع عملية نزع سلاح حزب الله وفتح مفاوضات سياسية مباشرة عبر لجنة موازية لـ"الميكانيزم"، تمهيداً لإقامة علاقات طبيعية وتطبيع كامل بين البلدين.
وتسعى إسرائيل أيضاً، من خلال تكثيف هذه الضربات، إلى فرض منطقة عازلة دائمة في جنوب لبنان، مع احتلال مؤقت لنقاط استراتيجية مرتفعة.
وشهدت الأيام الأخيرة تصعيداً جوياً لافتاً في منطقة شمال الليطاني، شمل غارات على مواقع في البقاعين الشمالي والأوسط، إلى جانب تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع فوق الضاحية الجنوبية لبيروت. كما رُصدت تحركات لقوات إسرائيلية خاصة قرب الحدود، ما يثير مخاوف من احتمال تنفيذ هجوم بري في البقاع، وفق سيناريو لم يُطرح بهذا الوضوح منذ حرب العام 2006.
في المقابل، رفع الجيش اللبناني حالة التأهب إلى الحد الأقصى في المناطق الواقعة شمال الليطاني، مع نشر منظومات دفاع جوي إضافية، وسط تحذيرات من مصادر عسكرية من أن أي توسع بري سيُقابل بردّ "قد يغيّر المعادلة". في حين اعتبر حزب الله التحرك الإسرائيلي "محاولة يائسة لتعويض الفشل في الجنوب".
يُشار إلى أنه مع اقتراب نهاية المهلة المحددة لنزع سلاح حزب الله، يبدو أن إسرائيل تراهن على استراتيجية "الضغط المستمر" لفرض واقع جديد على لبنان، إلا أن هذا الرهان يحمل مخاطر انهيار الهدنة وإعادة المنطقة إلى دائرة تصعيد واسع خلال الأيام القليلة المقبلة.