أظهرت نتائج كشفت عنها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، منتصف الثلاثاء، مؤشرات مشاركة ضعيفة بلغت 23% فقط من مجموع من يحق لهم التصويت، و17% ممن يحق لهم الانتخاب.
وبحسب بيانات المفوضية، جاءت محافظة صلاح الدين في صدارة المحافظات بنسبة مشاركة بلغت 31.57%، تلتها نينوى بـ30.67%، والأنبار بـ30.51%، فيما سجّلت محافظات الجنوب والوسط نسبًا متدنية، إذ بلغت المشاركة في ميسان 16.63%، والنجف 18.16%، وكربلاء 19.53%.
وفي العاصمة بغداد، بلغت النسبة في الكرخ 23.04%، مقابل 18.20% في الرصافة.
وفي إقليم كردستان، تراوحت النسب بين 28.93% في أربيل، و27.36% في دهوك، و24.88% في السليمانية، فيما جاءت ديالى بـ24.29%، وبابل بـ22.02%، والبصرة بـ22.21%، وهي مؤشرات تُظهر تراجعًا عامًا في الحماس الانتخابي بالمقارنة مع التصويت الخاص الذي جرى يوم الأحد.
ويرى مراقبون أن هذا التراجع يؤشر إلى عمق الأزمة بين الشارع والطبقة السياسية، بعد سنوات من الإخفاق في ملفات الخدمات والاقتصاد والفساد، حيث لم تفلح الحملات الحكومية والدعوات الدينية في تحفيز المشاركة، رغم التعبئة الإعلامية الواسعة التي سبقت يوم الاقتراع.
بدوره، قال الباحث في الشأن السياسي، عبد الغني الغضبان، إن "ما تم الإعلان عنه من نسب مشاركة، هو حقيقة مؤلمة بالنظر إلى الكم الهائل من الدعايات واللافتات والمؤتمرات التي غصّت بها شوارع العراق".
وأضاف الغضبان لـ"إرم نيوز" أن "الانتخابات الحالية لم تختلف عن سابقاتها من حيث العزوف الشعبي، فالمشاركون ينحصرون في الغالب بين المتحزبين والمؤدلجين الذين يسعون للحفاظ على مواقعهم داخل الدولة".
وأشار الغضبان إلى أن "التيار الصدري وحزب رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي وجماعات من المثقفين وثوار تشرين قاطعوا الانتخابات، فيما التزمت المرجعية الدينية الصمت، وهو ما زاد من فتور الشارع"، مبينًا أن "ما جرى اليوم هو تكرار لمشهد المشاركة المتدنية الذي يعكس فقدان الثقة بالعملية السياسية".
ورغم محاولات المفوضية الحديث عن يوم "سلس ومنظم"، إلا أن ضعف الإقبال بدت ملامحه واضحة منذ الساعات الأولى، حيث اقتصرت الطوابير على المراكز الواقعة في المناطق الحزبية المعروفة بانضباط جمهورها التنظيمي، فيما خلت مراكز أخرى تمامًا من الناخبين.
من جانبه، أوضح الخبير في الشأن الانتخابي، أحمد العبيدي، أن "النسبة المتحققة البالغة نحو 23% تعبّر عن أزمة تمثيل حقيقية، وتضع شرعية العملية السياسية في اختبار صعب أمام الداخل والخارج على حد سواء".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "تراجع المشاركة يعني أن القوى الكبرى ستعيد إنتاج نفسها داخل البرلمان المقبل، في ظل غياب الكتل الاحتجاجية والتيارات المدنية التي قاطعت الاقتراع، ما يمنح الأحزاب التقليدية مساحة أوسع للتحكم بالمشهد".
وأشار العبيدي إلى أن "الناخب العراقي أصبح يتعامل مع الانتخابات كإجراء روتيني لا يغيّر واقعه المعيشي، وهو ما يجعل الحديث عن الديمقراطية في البلاد أمرًا شكليًا أكثر منه فعليًا"، لافتًا إلى أن "المقاطعة تحولت من موقف احتجاجي إلى سلوك اجتماعي راسخ في كثير من المدن العراقية".
وتذهب تقديرات باحثين إلى أن استمرار تراجع نسب المشاركة يعمق الفجوة بين السلطة والشارع، ويجعل الحكومات المقبلة أكثر هشاشة في مواجهة الأزمات.
وبُنيت هذه النسب، بحسب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، على أساس عدد من يمتلكون البطاقة البايومترية فقط، والبالغ عددهم أكثر من 21 مليون ناخب، وليس على إجمالي من يحق لهم الاقتراع، والذين يقدَّر عددهم بنحو 29 مليون شخص في عموم العراق.
وبهذا الأساس، فإن نسبة المشاركة المعلنة والبالغة 23% تمثل في حقيقتها مشاركة تقارب 17% فقط من مجموع العراقيين المؤهلين للتصويت فعليًا، وهو ما يعني أن أكثر من 80% من المواطنين لم يشاركوا في العملية الانتخابية، سواء بسبب العزوف أم لعدم تحديث بياناتهم الانتخابية.