logo
العالم العربي

بتأثيرات طويلة الأمد.. عمليات النسف الإسرائيلية تهدد إعادة إعمار غزة

شخص يعتلي المنازل المدمرة في غزةالمصدر: رويترز

تنذر عمليات النسف المتكررة التي طالت مناطق واسعة في قطاع غزة بتهديدات خطيرة وطويلة الأمد على حياة الفلسطينيين، إذ باتت مصدر تهديد لآلاف المنازل المتداعية التي اضطر أصحابها إلى الإقامة فيها.

وامتدت آثار عمليات النسف لتطال التربة الزراعية، ليس فقط من ناحية تدميرها على المستوى البيئي، بل أيضًا من خلال تأثيراتها الهيكلية التي تمسّ إمكانية البناء والإعمار مستقبلاً.

أخبار ذات علاقة

قطاع غزة

خيار سكان غزة "الصعب".. استمرار حكم حماس أو إعادة الإعمار

وبحسب خبراء ومختصين، فإن القصف وارتفاع درجات الحرارة الناتج عنه يؤديان إلى تدمير الطبقات السطحية والعميقة من التربة، وقتل الكائنات الحية الدقيقة، وتفتيت المادة العضوية المسؤولة عن خصوبتها.

ولا يتوقف الخطر عند الزراعة فقط، بل يمتد ليطال سلامة البناء، حيث تفقد التربة الرملية المحترقة كثافتها وقدرتها على تحمل الأوزان، ما يجعلها غير صالحة لتشييد المباني دون فحوصات هندسية دقيقة.

تأثيرات كارثية

وحذّر خبير البيئة والزراعة نزار الوحيدي من التأثيرات الكارثية لعمليات النسف المتواصلة التي تنفذها إسرائيل في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن "أول ما يدمره النسف هو بناء التربة، الذي تشكّل على مدى آلاف السنين، ويُفقد بسهولة نتيجة القصف والحرارة العالية".

وقال الوحيدي لـ"إرم نيوز": "السنة الواحدة لا تنتج سوى مليمتر أو اثنين من التربة، وبالتالي فإن أي فقدان لطبقاتها يعني تدميرًا لبنيتها بالكامل".

وأضاف: "النسف يرفع درجة حرارة التربة إلى مستويات قد تصل إلى مئات الدرجات، ما يؤدي إلى قتل كل وجود حي فيها، وتدمير المادة العضوية وأساس الخصوبة، بل وحتى تطاير الغبار الغني بالعناصر الغذائية".

وأوضح أن "التربة المتضررة بهذا الشكل لا يمكن أن تعود إلى حالتها الطبيعية إلا من خلال برامج طويلة لإعادة التأهيل، وقد تتطلب الاستبدال الكامل في بعض الحالات، مما يجعل الضرر غير قابل للإصلاح على المدى القريب". وبيّن أن "الملوثات الناتجة عن عمليات النسف لا تقتصر أضرارها على التربة فقط، بل تمتد أيضًا إلى الخزان الجوفي في قطاع غزة، الذي يُعد المصدر الرئيسي للمياه".

وقال: "هذه المواد الضارة قد تكون مشعة أو تحتوي على مركبات كيميائية خطيرة، بعضها غير معروف التركيب، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لصحة السكان والبيئة".

وأضاف: "الخطر يتضاعف بسبب طبيعة الخزان الجوفي في غزة، الذي يعاني أصلًا من شبه توقف في حركة السريان نتيجة السحب المفرط للمياه خلال السنوات الماضية، ما أدى إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية بشكل كبير، وبالتالي صعوبة تنظيفه أو معالجته في المدى المنظور". وأشار إلى أن "هذه الملوثات قد تستقر في الخزان لفترات طويلة، مما يفاقم الأزمة المائية والصحية في القطاع، ويستدعي تدخلاً دوليًا عاجلاً لإجراء فحوصات ومعالجات بيئية شاملة".

خطر البناء

وأوضح خبير البيئة والزراعة أن "إعادة الإعمار في الأراضي المقصوفة أو التي تعرضت لتجريف عميق لا يمكن أن تتم بشكل آمن قبل فحص التربة بشكل دقيق".

وأشار إلى أن "التربة الرملية بطبيعتها قادرة على تحمّل أوزان عالية بسبب خصائص حبيباتها، لكن هذه القدرة تتراجع بشكل كبير إذا تعرضت للحرق أو النسف المكثف".

وقال الوحيدي: "القصف يؤدي إلى فقدان التربة لكثافتها الظاهرية والحقيقية، ما يحوّلها إلى مادة أشبه بالغبار، وبالتالي تصبح غير قادرة على دعم الأبنية الثقيلة فوقها".

وشدّد على أن "التسوية الظاهرية للتربة لا تكشف حالتها الحقيقية، وقد تكون خادعة إذا لم يتم إجراء فحوصات فيزيائية وكيميائية شاملة"، مؤكداً أن أي عملية بناء على هذه الأراضي دون إجراء الفحوصات اللازمة قد تؤدي إلى انهيارات مستقبلية، مما يجعل من الضروري اعتماد تقييم هندسي وبيئي دقيق قبل الشروع في الإعمار.

آثار ممتدة

وقالت منسقة المناصرة في جمعية الإغاثة الزراعية بفلسطين نهى الشريف إن "استمرار عمليات النسف الإسرائيلي المتواصل في المناطق الواقعة خلف الخط الأصفر، والتي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي منذ أكثر من شهرين، لا يقتصر تأثيره على المباني، بل يمتد ليطال البنية البيئية والزراعية".

وأضافت الشريف لـ"إرم نيوز": "هذه العمليات ألحقت أضرارًا مباشرة بالتربة والمياه الجوفية"، لافتة إلى أن ما يقارب 25% من تلك المناطق المصنفة كمناطق زراعية، تضم عددًا كبيرًا من الآبار الزراعية، ومبينة أن "هذه المنطقة تشكّل نحو 53% من مساحة قطاع غزة، ما يعني أن الضرر يمس جزءًا حيويًا من الأمن الغذائي والموارد الطبيعية في القطاع".

وبيّنت أن "التربة في المناطق المتضررة تعرضت لتدمير واسع النطاق بفعل الملوثات الناتجة عن القصف المستمر وعمليات النسف التي خلّفت فجوات عميقة".

وأكدت أن "هذه الحفر لا تعيق فقط الزراعة في المدى القريب، بل قد تُسبب تلوثًا في الطبقات الرئيسية للتربة، مما يجعلها غير صالحة للزراعة دون تدخلات فنية مكلفة".

ولفتت إلى أن "استعادة صلاحية الأراضي للزراعة تتطلب تجريف ما بين 30 إلى 40 سم من الطبقة السطحية، إضافة إلى إجراء فحوصات مخبرية دقيقة للكشف عن نوع الملوثات وتأثيرها". وأكدت أن "أطنان القذائف والصواريخ التي سقطت على تلك المناطق خلّفت آثارًا لا تحتملها التربة، ما يجعل عودة المزارعين إلى حقولهم مرهونة بإجراءات تأهيل طويلة ومعقّدة".

وتابعت الشريف: "إعادة تأهيل التربة تتطلب فحوصات مخبرية دقيقة، غير أن غياب المختبرات المتخصصة داخل قطاع غزة يشكل عائقًا كبيرًا".

وأوضحت أن "استمرار الإغلاق والحالة الأمنية المتدهورة يحولان دون إمكانية إرسال عينات التربة إلى الخارج لإجراء التحاليل اللازمة، ما يعمّق أزمة القطاع الزراعي ويؤخر أي جهود جدية لإعادة الحياة إلى هذه الأراضي المتضررة".

 

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC