حذر تقرير حديث من أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمته إدارة ترامب مؤخرًا بين إسرائيل وحماس، يعد لحظة أمل نادرة بعد عامين من الحرب والدمار في غزة، لكن خطة ترامب للسلام تبدو محمّلة بأوهام قديمة تُذكّر بالفشل الأمريكي في العراق.
ويرى الخبراء أن الاتفاق بينما يَعِد بإعادة إعمار غزة، وإقامة نظام سياسي جديد بعد حماس، كما أنه استجاب لمخاوف دول عربية رئيسة وتجنّب أكثر المطالب الإسرائيلية تشدّدًا، مثل تهجير الفلسطينيين أو ضم الضفة الغربية، لكن مع ذلك، فإن بنود الاتفاق تبدو هشة وغامضة وتعتمد على حسن نيات أطرافٍ طالما تناقضت مصالحها.
كما أن الوضع الإنساني في غزة لا يزال كارثيًا، والحصار الإسرائيلي مستمر رغم الوعود، أما حماس، فلا تبدو مستعدة للتخلي عن سلاحها أو سلطتها، بل تتحرك لتثبيت قبضتها الأمنية مجددًا، ومن جانب آخر، لا توجد التزامات دولية قوية أو قرارات من مجلس الأمن تضمن تنفيذ الاتفاق.
ويحذر مراقبون من أن الاتفاق رغم الهدوء النسبي، فلا يُتوقع أن يتقدّم إلى مرحلته الثانية المتمثلة في نزع سلاح حماس وإنشاء سلطة حاكمة جديدة؛ فالأطراف المنهكة من الحرب تتعامل معه كفرصة مؤقتة لالتقاط الأنفاس، وليس كتحول سياسي دائم.
كما أن نتنياهو، الذي وافق تحت ضغط أمريكي وداخلي، لا يُظهر استعدادًا للالتزام بخطة سلام طويلة الأمد؛ خصوصًا أن القوى اليمينية في حكومته ما زالت تدعو إلى ضم غزة والضفة، وتنتظر لحظة انهيار الهدنة.
ويرى محللون أن جوهر الخلل في الخطة الأمريكية يشبه تمامًا أخطاء واشنطن في العراق قبل عقدين؛ فإقامة سلطة وصاية دولية بلا شرعية، ومحاولة فرض نظام سياسي فوق أنقاض مجتمع محطم، وأي هيئة إدارة تُنصَّب في غزة ستعاني العجز ذاته الذي واجهته سلطة الاحتلال في بغداد: انعدام السيطرة، وغياب القبول الشعبي، وانفجار العنف المتجدد.
كما أن محاولة نزع سلاح حماس بالقوة ستؤدي إلى نتائج عكسية، بينما تركها تسيطر سيجعل أي سلطة بديلة رهينة لها، ولا إسرائيل ستقبل بقوة أمن فلسطينية، ولا المجتمع الدولي قادر على إرسال قوة فعالة دون تفاهم مع حماس.
فخطة ترامب تعتمد بالكامل على حضوره الشخصي، لكن إدارته تفتقر إلى القدرات المؤسسية لمتابعة تطبيقها، كما أن تفكيك الوكالات الحكومية، وعلى رأسها وكالة التنمية الأمريكية، جعل واشنطن بلا أدوات لتنفيذ مشروع بهذا الحجم، ومع انشغال ترامب بأزماته الداخلية، يمكن بسهولة أن ينقلب الموقف الأمريكي مجددًا لصالح تصعيد إسرائيلي جديد.
وبينما ترى إسرائيل أن الهدنة فرصة لتخفيف عزلتها الدولية، لكن ذلك لن يحدث دون سلام حقيقي مع الفلسطينيين؛ فمشاهد الدمار في غزة أحدثت تحوّلًا جذريًا في الرأي العام العالمي، تمامًا كما فعل الغزو الأمريكي للعراق بصورة واشنطن قبل عقدين، خصوصًا أن العدالة الدولية لا تُمحى بتوقيع اتفاق، والجرائم لا تختفي بانتهاء القتال.
ومع أن الهدنة كانت ضرورية، وربَّما أنهت الكارثة، لكن تحويلها إلى "فجر شرق أوسط جديد" يتطلب أكثر من إرادة ترامب؛ إذ يتطلب اعترافًا بأن الطريق إلى السلام لا يمر عبر تكرار إخفاقات العراق، بل عبر مواجهة جذور المأساة الفلسطينية نفسها.