بعد مرور عامين على هجوم السابع من أكتوبر 2023، ما زال ذلك اليوم يمثل لحظة مفصلية في تاريخ إسرائيل والمنطقة، حيث كشفت الهجمات التي شنتها حماس آنذاك عن انهيار غير مسبوق في المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وإخفاقات تجاوزت حدود الفشل العملياتي إلى أزمة مفاهيمية عميقة.
وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، لم يكن ما جرى مجرد "خلل في السياج الحدودي"، بل انهيار في إدراك التهديد وفقدان للمرونة الاستراتيجية؛ إذ أسهمت سنوات من الهدوء النسبي في الجنوب في خلق شعور زائف بالأمان، أدى إلى اعتماد مفرط على التكنولوجيا والاستخبارات عن بُعد، في حين تم تهميش المراقبة الميدانية والجاهزية القتالية.
ومن هنا، يبرز أحد أهم الدروس: أن الدفاع الثابت وحده لا يكفي، وأن الأمن الإسرائيلي بحاجة إلى إعادة تعريف تجمع بين الردع الوقائي والمبادرة الهجومية الذكية.
وذكرت الصحيفة أن اليوم ذاته كشف هشاشة الرابط بين الجبهة العسكرية والمدنية، إذ تُركت مجتمعات حدودية لساعات تدافع عن نفسها وسط بطء في الاستجابة الرسمية؛ ما أبرز الحاجة إلى بنية دفاعية مجتمعية متكاملة لا تعتمد على الجيش وحده.
الفجوة المدنية والاختبار الداخلي
أظهر السابع من أكتوبر أيضًا أن الأزمة لم تكن أمنية فقط، بل اجتماعية ومؤسسية في جوهرها؛ فحين انهارت خطوط الدفاع، تدخل المتطوعون والمجتمعات المحلية لسد الفراغ، فيما عانت الدولة من بطء في التنسيق بين مؤسساتها.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه التجربة أعادت طرح سؤال جوهري حول مفهوم الصمود الوطني: كيف يمكن لإسرائيل أن توازن بين أمن الدولة وقدرة المجتمع على الصمود الذاتي في الأزمات؟
ولفتت إلى أن استعادة الثقة بين الدولة والمجتمع تتطلب إعادة توزيع للسلطات والقدرات، بحيث تُمنح المجالس المحلية أدوات استجابة أسرع، وتُغلق الفجوات بين المركز والأطراف في البنية التحتية والخدمات الطارئة؛ فالتأهب المدني لم يعد مسألة لوجستية، بل أصبح ركيزة من ركائز الأمن القومي.
وفي هذا السياق، يتعين على إسرائيل أن تنظر إلى التماسك الداخلي باعتباره شرطًا مسبقًا للاستقرار الإقليمي، إذ لم تعد التهديدات الخارجية وحدها تشكل الخطر الأكبر، بل أيضًا ضعف الترابط الداخلي الذي يمكن أن يشل قدرة الدولة على إدارة الأزمات المستقبلية.
التوازن بين القوة والأخلاق والدبلوماسية
وأكدت أحداث أكتوبر أن الساحة الفلسطينية والإقليمية باتت مترابطة على نحو لا يمكن فصله؛ فإيران وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي والدول العربية جميعها تشكّل منظومة تفاعلية واحدة تؤثر على المعادلة الأمنية والسياسية في المنطقة.
لذلك، لم يعد ممكنًا لإسرائيل أن تعتمد على المقاربة العسكرية وحدها، بل يتعين عليها تبنّي نهج أمني–دبلوماسي متكامل يربط بين تفكيك القدرات المسلحة في غزة وتوفير أفق سياسي واقتصادي للمدنيين، بالتوازي مع تعزيز التنسيق مع الدول العربية في إطار اتفاقات إبراهيم.
إلى جانب البعد الميداني، أثبتت الحرب أن المعركة المعلوماتية لا تقل أهمية عن القتال على الأرض؛ فحملات التضليل والتأطير المشوه التي أعقبت عملية "طوفان الأقصى" أظهرت ضعف الأداء الإعلامي الإسرائيلي وتشتت رسائله.
ونوهت الصحيفة إلى أن على الدولة تطوير استراتيجية اتصالية موحدة تجمع بين المؤسسات الرسمية والإعلامية والمجتمع المدني لتشكيل خطاب وطني متماسك يعزز شرعيتها على الساحة الدولية.
ويبقى التحدي الأخلاقي حاضرًا بقوة: كيف يمكن لإسرائيل أن تخوض حربًا ضد الإرهاب دون أن تفقد بوصلتها القيمية؟ الحفاظ على مبادئ الحرب الأخلاقية، وتقليل الأضرار على المدنيين، ومعاملة ملف الرهائن كقضية وطنية إنسانية لا رمزية، كلها عناصر تحدد مدى استدامة القوة الإسرائيلية وشرعيتها.
وفي النهاية، يشكل السابع من أكتوبر اختبارًا مستمرًا: هل سيظل ذكرى دامية في الوعي الإسرائيلي، أم نقطة انطلاق نحو استراتيجية أكثر نضجًا وشمولًا تربط بين الأمن والمرونة والدبلوماسية؟