أعلن العراق، اكتمال المرحلة الأولى من فتح مقبرة الخسفة جنوبي الموصل، إحدى أفظع المقابر الجماعية التي خلفها تنظيم داعش.
وقال مدير عام دائرة المقابر الجماعية في مؤسسة الشهداء العراقية، ضياء كريم، إن "الفرق المختصة أنهت خلال الأيام الماضية أعمال التحري الميداني وتحليل الصور الجوية للموقع، ورسم خريطة طريق خاصة بالعمليات الفنية، بالتعاون مع دائرة الطب العدلي واللجنة الدولية لشؤون المفقودين".
وأوضح كريم للوكالة الرسمية "واع" أن "جميع الرفات والعظام التي رُفعت من محيط الحفرة سُلّمت إلى الطب العدلي بموجب محاضر رسمية، تمهيداً لإجراء الفحوصات المخبرية ومطابقة الحمض النووي مع قاعدة بيانات يجري إعدادها لهذا الغرض".
وبيّن أن "العمل تم بإشراف مباشر من رئاسة مؤسسة الشهداء، وبالتزام المعايير الدولية الخاصة بالتعامل مع المقابر الجماعية، مع مراعاة الجوانب العلمية من خلال إنشاء قاعدة بيانات دقيقة".
وأكد أن "التصنيف النهائي في المشرحة الجافة سيتم لدى دائرة الطب العدلي قبل إعلان الأرقام النهائية للضحايا".
وتقع مقبرة الخسفة على بعد 20 كيلومتراً جنوبي مدينة الموصل، بالقرب من بلدة حمام العليل، وهي حفرة طبيعية عميقة تكوّنت بفعل تغيّرات جيولوجية قديمة، واستغلها تنظيم داعش بين عامي 2014 و2017 لتنفيذ إعدامات جماعية بحق آلاف المدنيين والعسكريين.
وتشير تقديرات محلية ودولية إلى أن عدد الضحايا المدفونين في المقبرة يتراوح بين 15 و20 ألف شخص.
فيما قدّرت هيومن رايتس ووتش أن التنظيم أعدم هناك ما يقارب 25 ألف شخص خلال سنوات احتلاله للمدينة، بينهم عناصر من الأجهزة الأمنية، ووجهاء عشائريون، وأسرى من الأقليات الدينية.
وبحسب شهادات ناجين، فقد شهدت الخسفة عمليات قتل جماعي متكررة، إذ كان التنظيم ينقل الضحايا في شاحنات إلى أطراف الموصل، ليُعدموا رمياً بالرصاص أو ذبحاً، قبل إلقاء جثثهم في الحفرة التي يبلغ عمقها عشرات الأمتار.
وتشير بعض المصادر إلى أن داعش أعدم في يوم واحد أكثر من ألفي شخص من أهالي حي وادي حجر وأحياء أخرى جنوب المدينة.
وواجه فتح المقبرة تحديات تقنية معقدة بسبب طبيعة الموقع الجيولوجية، حيث تؤثر المياه الكبريتية والغازات المتصاعدة على بقايا الرفات، ما قد يعيق عمليات استخراج الحمض النووي.
وبحسب السلطات العراقية، فإن عملية التوثيق واستخراج الرفات قد تستمر لأكثر من عام كامل، مع توقعات بأن يتم تسليم الرفات تدريجياً إلى ذوي الضحايا بعد مطابقة العينات الوراثية، في خطوة تُعد من أبرز الملفات الإنسانية في مرحلة ما بعد داعش.
وبالنسبة إلى عوائل الضحايا في نينوى وبقية المحافظات العراقية، يمثل فتح المقبرة بداية طريق طويل نحو العدالة وكشف مصير المفقودين، إذ يأمل الآلاف من ذوي الضحايا أن تسهم نتائج الفحوصات في استعادة رفات أحبائهم ودفنهم وفق الأصول الشرعية، بعد سنوات من الغياب والانتظار.
ويرى مختصون أن هذه الخطوة لا تقتصر على الجانب الإنساني فحسب، بل تحمل أبعاداً قضائية وتوثيقية مهمة، إذ يُنتظر أن تُسجل الجرائم المرتكبة في الخسفة كأدلة دامغة على الإبادة الجماعية التي ارتكبها داعش، ما يعزز ملفات المحاسبة أمام المحاكم العراقية وربما الدولية.