"أريد أن يكون لوحيدي قبر أزوره".. بهذه الكلمات التي تقطر ألما عبّرت سهى الشريف، عن حزنها لعدم عثورها على جثمان وحيدها العشريني بعد عام ونصف العام من وفاته جراء العمليات الإسرائيلية في غزة، كحال غيرها من آلاف من الغزيين.
وما فتئت الجثامين مجهولة الهوية في غزة تنغّص حياة الآلاف من السكان، الذين يواصلون البحث عن ذويهم بين ما تبقى من رفات ضحايا الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، التي أدت لمقتل وإصابة مئات الآلاف من السكان، وفقدان أكثر من 14 ألفا.
وتواصل العائلات البحث عن المفقودين بين الجثامين المجهولة في المقابر الجماعية والعشوائية، التي اضطر السكان لدفن الضحايا فيها خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة مع صعوبة الوصول إلى المقابر المتعارف عليها.
عام ونصف العام من البحث
سهى الشريف، أم فلسطينية لشاب وحيد ترعرع في كنفها لأكثر من عقدين من الزمان، قتل أمام عينيها على إثر إصابته بطلق ناري من دبابة إسرائيلية في حي النصر وسط مدينة غزة في الأشهر الأولى من الحرب، فيما لم تنجح في دفنه قبل النزوح لوسط القطاع.
وتقول الشريف، لـ"إرم نيوز"، إنها "ودعت نجلها الوحيد في ثلاجة الموتى بمجمع الشفاء الطبي قبل يوم واحد من اقتحامه، حيث اضطرت للنزوح لجنوب القطاع مع طفلتيه وزوجته، دون أن تحظى بالفرصة الأخيرة لتكريمه ودفنه".
وأوضحت أنها "وعلى مدار عام ونصف العام من النزوح كان شغلها الشاغل العودة لغزة وإيجاد جثمان ابنها الوحيد، ودفنه في قبر يليق به"، مشيرًة إلى أنها صدمت عند عودتها بعدم العثور على أي ملامح لرفات نجلها.

"أريد أن يكون لوحيدي قبر"
وأشارت إلى أنها "تبحث بالوقت الحالي في المقابر الجماعية وبين رفات مجهولي الهوية دون جدوى"، مشددةً على أن ذلك يزيد من ألمها على فقدان ولدها "جهاد"، ويشعرها بغصة وحرقة في قلبها بسبب عدم دفنه بالشكل اللائق.
ولفتت إلى أنها "تنتقل بين مختلف المقابر العشوائية والجماعية، خاصة الموجودة في مجمع الشفاء للعثور على رفات نجلها ودفنه بما يليق به"، مشيرًة إلى أنه بالرغم من صعوبة التعرف على الرفات إلا أنها ستواصل عملية البحث عن نجلها.
وبينت الشريف، أن "لديها مخاوف من إمكانية اختطاف الجيش الإسرائيلي لجثمانه إبان اقتحامه لمجمع الشفاء"، متابعة "لا أريد أن أعاني طوال عمري وأنا أبحث عما تبقى من جثمان نجلي، الحرب فرقتنا للأبد وأريد أن يكون له قبر أزوره مع بناته".

وقال رائد الدهشان، مدير جهاز الدفاع المدني في غزة، إن "الجهاز أطلق حملة بالتنسيق مع الجهات المعنية للتعرف على جثامين الضحايا مجهولي الهوية في المقابر العشوائية، وذلك في إطار حق جميع السكان بمعرفة مكان دفن أبنائهم".
وأوضح الدهشان، لـ"إرم نيوز"، أن "الحملة تعمل على نقل الجثامين من المقابر العشوائية إلى المقابر المعروفة، الأمر الذي يسبقه مساعدة الأهالي في التعرف على ذويهم، والسماح لهم بنقلهم ودفنهم بما يليق بهم".

تحديات كبيرة
وأضاف الدهشان، "لا يمكن حصر عدد المقابر العشوائية، خاصة وأنها كانت تنشأ بسبب الخطورة، ولا يمكننا حصرها وهي كثيرة وأعدادها كبيرة، وحملتنا ستصل لكل المناطق في عمل متواصل لنتمكن من التعرف على جميع الجثامين خاصة المجهولة منها".
وتابع "هناك صعوبة في التعرف على الجثامين المجهولة، ونعمل مع وحدة الطب الشرعي والأدلة الجنائية من أجل معرفة هوية جميع الجثامين؛ إلا أن هناك تحديات كبيرة جدًا تحول دون تحقيق ذلك؛ ما يجعل الملف عالقا حتى تذليل تلك العقبات".
مهمة صعبة ومعقدة
ولفت إلى أن "الدفاع المدني ينتشل الجثامين المجهولة وفق بروتوكول ونموذج متفق عليه، ويترك الجثمان المجهول لفترة من الزمن لدى الجهات المختصة ليتسنى للعائلات السعي للتعرف على أبنائهم والتي تتم بطرق بدائية".
وختم "من الصعب جدا التعرف على بعض الجثامين خاصة المتحللة والتي دفنت منذ فترة طويلة، إضافة إلى أن بعض الأسر أبيدت بأكملها؛ ما يجعل من الصعب التعرف على الكثير من الجثامين، وهذه مهمة صعبة ومعقدة".
