اشتدت "حرب الملصقات" الانتخابية في العراق، في ظل أجواء انتخابية ساخنة تتقاطع فيها دعوات المقاطعة التي يقودها التيار الصدري مع حملات دعائية كثيفة للأحزاب التقليدية، قبل موعد الاقتراع المقرر في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي مشهد غير مألوف، بدت شوارع مدينة الصدر شرقي بغداد شبه خالية من اللافتات والصور الانتخابية التي طالما غطت جدرانها وأعمدتها في كل موسم انتخابي.
ويقول عدد من الأهالي إنهم امتنعوا عن المشاركة التزامًا بتوجيهات زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي جدد في الأيام الماضية دعوته إلى مقاطعة الانتخابات وعدم التصويت لأي مرشّح منشق عن تياره.
ويُقدّر عدد سكان مدينة الصدر بنحو 4 ملايين نسمة؛ ما يجعل تأثير المقاطعة محورياً في نتائج العاصمة.
ويرى مراقبون أن غياب الدعاية فيها يوجّه رسالة سياسية واضحة إلى الحكومة والأحزاب بأن "القاعدة الصدرية" لا تزال قادرة على قلب الموازين حتى وهي غائبة عن صناديق الاقتراع.
تحشيد هائل
في المقابل، تشهد محافظات أخرى مشاهد مغايرة تمامًا؛ فشوارع البصرة وذي قار وواسط ومدن أخرى امتلأت بصور المرشحين ومعلقات الأحزاب، مع سباق على حجز مواقع بارزة على الجسور والأعمدة والواجهات.
غير أن هذا الحراك لم يخل من توترات؛ إذ سجّلت محافظة ميسان، على سبيل المثال، حوادث تمزيق متكررة للصور والملصقات الانتخابية لعدد من المرشحين.
وأكد مرشحون أن مجهولين عمدوا إلى حرق لافتات دعائية أو الكتابة عليها بعبارات "مسيئة"، مطالبين الأجهزة الأمنية بالتدخل السريع ومحاسبة الفاعلين، في حين وصفت هذه الحوادث بأنها “بداية مقلقة” لموسم انتخابي يفترض أن يُدار بروح التنافس السلمي.
وفي هذا الإطار، دعا القيادي في حزب تقدم والمرشح عن بغداد، علي الغريري، إلى التزام التنافس الشريف بين القوى السياسية، واعتماد وسائل قانونية وأخلاقية، "لا عبر التخريب أو الاعتداء".
وأضاف الغريري في حديث لـ"إرم نيوز" أن “تمزيق الصور واللافتات ظاهرة غير مقبولة وتعبّر عن إخفاق المنافسين في كسب الشارع عبر البرامج، فلجأوا إلى وسائل بائسة لإرباك الآخرين”، مشددًا على أن “المنافسة الحقيقية تكون داخل صناديق الاقتراع، لا في الشوارع”.
وتُعدّ ظاهرة تمزيق الملصقات من المظاهر المتكررة في كل دورة انتخابية، إلا أن مراقبين يرون أنها أخذت هذا العام طابعًا أوسع نتيجة احتدام الصراع داخل الكتل نفسها، ولا سيما بين القوائم الشيعية التي تتنافس على جمهور واحد في ظل غياب التيار الصدري؛ ما جعل المشهد أشبه بـ“صراع البيت الواحد”.
استقطاب وتعبئة
من جانبه، أوضح المختص في الشأن الانتخابي أحمد العبيدي أن "المشهد السياسي العراقي يعيش حالة استقطاب قصوى، فبينما تعبئ بعض القوى قواعدها للمشاركة بقوة، يحشد التيار الصدري بالمقابل أنصاره لمقاطعة الانتخابات كليًا".
وقال العبيدي لـ"إرم نيوز" إن "التيار الصدري لا يكتفي بمقاطعة الانتخابات، بل يفعل أدواته الاجتماعية والإعلامية لمنع تسلل أصوات من قواعده إلى صناديق الاقتراع، وقد أصدر الصدر بنفسه قائمة بأسماء منشقين اعتبرهم خارجين عن خط الإصلاح، ودعا إلى عدم التصويت لهم"، مشيرًا إلى أن "ذلك خلق إرباكًا في الخريطة الانتخابية، خصوصًا في بغداد والجنوب".
وأضاف العبيدي أن "مقاطعة جمهور الصدر ستؤثر في نسب المشاركة العامة، إذ تشير تقديرات أولية إلى أن الأصوات التي كان يملكها التيار العام 2021 بلغت أكثر من 800 ألف صوت، ما يعني أن غيابها قد ينعكس مباشرة على توزيع المقاعد داخل المكون الشيعي، ويمنح الإطار التنسيقي وحلفاءه فرصة لتعزيز حضورهم".
وأطلقت القوائم المرحلة الثانية من دعايتها الانتخابية عبر المهرجانات الجماهيرية والمناظرات المحلية، في محاولة لرفع مستوى الحماسة الشعبية وسط عزوف متزايد لدى الناخبين الشباب.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن أكثر من 21 مليون ناخب يحق لهم التصويت في الانتخابات المقبلة، لكن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أقرت بأن نحو 3.5 ملايين ناخب لم يتسلموا بطاقاتهم البايومترية بعد؛ ما يرفع احتمال انخفاض المشاركة.