رئيس وزراء أستراليا: الحكومة ستتبنى إصلاحات للقضاء على الكراهية والتطرف
بدا المشهد الميداني، خلال الأيام الأخيرة، في غرب وجنوب كردفان، أشبه بعملية إعادة هندسة دقيقة لخطوط السيطرة داخل السودان؛ فقد تمكّنت قوات "الدعم السريع" من السيطرة على بابنوسة، وهي محطة مفصلية كشفت عن مسار مختلف في تموضع القوة، وهو المسار الذي يقوم على بناء انتشار جغرافي متصل يمتد من غرب السودان إلى تخوم جبال النوبة، ويمنح الدعم السريع مساحة مناورة.
بينما أضافت استعادة "الحركة الشعبية-شمال" لحامية مبسوطة في جنوب كردفان عنصرًا جديدًا للمشهد؛ فالمنطقة تمثّل حلقة ترتبط جغرافيًا بمسارات أوسع في الإقليم، ومعها بات من الممكن قراءة الحدثين كجزء من دينامية واحدة، من حيث اعتباره كتمدد منسّق، ومتدرّج، يهدف إلى ترتيب توازن جديد على الأرض في مواجهة قوات بورتسودان التي تراجعت قدرتها على تثبيت مواقع متقدمة خلال الأسابيع الأخيرة.
وتوضح مصادر عسكرية سودانية مطّلعة أن التقدم الذي تحقق في بابنوسة جاء ضمن سلسلة ترتيبات جرت خلال الأسابيع الماضية لإعادة توزيع السيطرة على امتداد جغرافي واسع يبدأ من غرب كردفان ويتصل بعمق جنوبها.
وتشير المصادر لـ"إرم نيوز" إلى أن القراءة العملياتية للحدث تُظهر اقتناعًا متزايدًا بأن السيطرة على بابنوسة حررت مسارات كانت مغلقة أمام قوات الدعم السريع، وسهّلت توسيع نطاق تحركها في محاور حساسة طالما بقيت خارج قدرة المناورة التقليدية.
وتؤكد المصادر أن انتقال "الحركة الشعبية–شمال" إلى مبسوطة جاء ضمن فهم واضح لطبيعة التحولات في الإقليم، حيث باتت الممرات بين جبال النوبة والمناطق الغربية مفتوحة على احتمالات جديدة، خصوصًا بعد تراجع قدرة القوى المناوئة على تثبيت وجودها في الحاميات المتقدمة.
وتَعتَبر المصادر أن هذا التقدم يعبّر عن لحظة تكثيف ميداني أعادت فيها القوات الميدانية تنظيم شبكة انتشارها بطريقة تمنحها نقاط توازن جديدة في جنوب كردفان.
كما تضيف أن التطورات الأخيرة سمحت بظهور خطوط تماس مختلفة عن تلك التي استقرت لسنوات، وأن هذا التغيير في الجغرافيا العسكرية جاء بفعل تحركات مدروسة هدفت إلى ضمان السيطرة على العقد الأساسية في الإقليم. وتشير إلى أن ما يجري حاليًا يعكس انتقالًا حقيقيًا في ميزان الحركة، إذ باتت السيطرة في الغرب مرتبطة بالجهة التي تنجح في الإمساك بالمفاصل اللوجستية والطرق الاستراتيجية، والمتمثلة بقوات الدعم السريع.
ولطالما شكلت بابنوسة نقطة التقاء بين ثلاث جغرافيات، المتمثلة بغرب كردفان، وجنوب دارفور، والطريق الحيوي المؤدي إلى الأبيض. والسيطرة عليها تعني أكثر من ضمان موقع عسكري؛ فهي تمثل استعادة لعمق استراتيجي مفتوح يتيح تطوير عمليات مستندة إلى شبكة طرق واسعة وقدرة على تحريك القوات بين المحاور دون ضغط مضاد فعّال.
كما تمثل المدينة أيضًا عقدة تتقاطع فيها خطوط السكة الحديدية والطرق القارية ومسارات النقل التقليدية، ما يجعل تمركز الدعم السريع فيها نقطة ارتكاز يمكن البناء عليها في المرحلة المقبلة. فمن بابنوسة يصبح التقدم نحو الشرق أو الجنوب أو الشمال خيارًا متاحًا ضمن سياق عملياتي واحد.
فيما جاءت استعادة الحركة الشعبية لحامية مبسوطة لتسدّ الفجوة بين غرب السودان ومركز ثقلها في جبال النوبة. التقدم كان خطوة ضمن تسلسل عملياتي يُظهر قدرة أكبر على الحركة وإعادة توسيع مناطق التحكم.

وفق التقديرات العسكرية فإن المشهد في جنوب كردفان اليوم لا يُقرأ بمعزل عن بابنوسة، فعلى الرغم من اختلاف الخرائط المحلية وطبيعة التضاريس، إلا أن مسار العمليات يوحي بأن ثمة نمط تمدد متزامن يُقوّي مناطق النفوذ المتجاورة بطريقة تجعل حماية الجبهات أكثر تماسكًا، وتسمح بفتح مسارات جديدة نحو عمق مناطق سيطرة قوات بورتسودان.
بينما تؤكد مصادر دبلوماسية غربية تتابع الملف السوداني، أن التقدّم الميداني في غرب وجنوب كردفان يُقرأ داخل العواصم المعنية باعتباره مؤشرًا على تحول أعمق في خريطة توزيع القوة، وليس فقط مجرد تبدُّل موضعي في السيطرة.
وتشير المصادر لـ"إرم نيوز" إلى أن سقوط بابنوسة، ثم التحرك نحو مبسوطة، كشفا عن نمط عملياتي منسجم يتيح للقوى المتمددة التحرك على خط واحد مترابط، ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من إعادة رسم التوازنات في الإقليم.
وتلفت إلى أن التنسيق الذي يظهر على الأرض بين قوات الدعم السريع والحركة الشعبية–شمال بات يُنظر إليه كعامل حاسم في تغيير قواعد الاشتباك، حيث يتم استثمار الجغرافيا بطريقة تمنح تلك القوى قدرة على تحريك الضغط في أكثر من اتجاه، من دون الحاجة إلى عمليات واسعة أو زخم عسكري استثنائي. وتوضح أن هذا النمط يفسّر سبب تراجع قوات بورتسودان، إذ باتت غير قادرة على حماية محاور متعددة بالفعالية المطلوبة.
وتضيف المصادر أن تقدير المؤسسات الغربية المعنية بالنزاع يذهب إلى أن الأسابيع المقبلة ستكون حساسة لجهة رسم حدود النفوذ في الغرب، خاصة مع استمرار تحريك الخطوط التي تربط دارفور بكردفان، معتبرةً أن السيطرة على الطرق والممرات باتت العنصر الأكثر تأثيرًا في تحديد مآلات الصراع، وأن القوى التي تبادر إلى الإمساك بالمفاصل الحيوية ستكرّس موقعها المتقدم في المشهد السوداني خلال الفترة المقبلة.
وفي هذا السياق، يوضح الباحث السوداني في الشؤون السياسية، واصل عبد الرحمن، أن اتساع رقعة السيطرة في بابنوسة ثم تحرك الحركة الشعبية–شمال في مبسوطة يعكسان انتقال القوى الفاعلة من مرحلة "استعادة المواقع" إلى مرحلة "إعادة تشكيل الفضاء الجغرافي".
وبحسب حديث عبد الرحمن لـ"إرم نيوز"، فإن أهمية التطور الأخير تكمن في أنه أعاد رسم حدود الحركة بين دارفور وكردفان بطريقة لم تكن ممكنة خلال العامين الماضيين، حيث ظهرت للمرة الأولى ملامح خط تحرك مستقر يسمح بإعادة وصل المناطق التي كانت مقطعة بين نفوذ متعدد الأطراف.
ويضيف أن قراءة الأحداث من منظور استراتيجي تُظهر بوضوح أن القوى التي تتحرك الآن على الأرض تستفيد من عاملين: "الأول هو المرونة في نقل الثقل الميداني بين المحاور دون الحاجة إلى احتفاظ دائم بقواعد معقدة، والثاني هو القدرة على السيطرة على الطرق قبل السيطرة على المدن، وهو ما يمنح زمنًا إضافيًا لإعادة ترتيب الانتشار وتحديد المرحلة التالية".

ويعتبر عبد الرحمن أن التطورات الأخيرة؛ أطلقت عملية إعادة تموضع واسعة في غرب السودان، وأن التأثير الفعلي لهذا التقدم لن يظهر فقط في المناطق التي تمت السيطرة عليها، بل في المناطق التي ستصبح مفتوحة أمام تحرك القوى المتمددة. ويرى أن تراجع خطوط تمركز القوى المناوئة في الإقليم، وتشتت وجودها في عدد من الحاميات، يعززان فرص بناء خط نفوذ جديد يمتد من دارفور إلى تخوم جبال النوبة.
التحركات الميدانية الأخيرة تمنح تطورات المشهد السوداني منظورًا جديدًا حول طبيعة الاتساع الذي تتجه إليه الخريطة العسكرية، فبالتوازي مع السيطرة على بابنوسة والتقدم في مبسوطة، بدأت تظهر ملامح "ممر عملياتي" يمتد من جنوب دارفور إلى جبال النوبة، وفق ما أفادت به مصادر "إرم نيوز" ما يعطي الدعم السريع قدرة على التحرك على نطاق واسع دون الانشغال بتأمين خطوط خلفية هشة.
كذلك من المتوقع أن تكتسب مناطق مثل الدلنج وكادوقلي أهمية متزايدة في الأسابيع المقبلة، لأنها نقاط تتحكم بالطرق والمسارات التي تحدد إيقاع العمليات في الإقليم. وأي ضغط على محيط هذه المناطق سيؤدي عمليًا إلى تضييق هامش المناورة أمام قوات بورتسودان، التي تراجع حضورها الفعلي في عدد من الحاميات والمواقع المتقدمة.
ومع تزايد التحركات على المحور الواصل بين العباسية وتقلي، يمكن قراءة المشهد على أنه بداية هندسة جديدة للدينامية العسكرية في كردفان، تقوم على تثبيت السيطرة قبل توسعتها، وعلى خلق اتصال جغرافي بين النقاط الحيوية.
في حين بات التراجع السريع لـ"قوات بورتسودان" يعتبر كمؤشر على ضغط مركّب تتعرض له على جبهات متباعدة؛ ففي ظل تعدد المحاور، يصبح الاحتفاظ بالنقاط المتقدمة أمرًا مكلفًا، خاصة عندما تتقدم القوى المقابلة على شكل جبهة واسعة لها عمق ميداني متصل.
كما تدل المعطيات الحالية على أن المشهد العسكري في غرب السودان وجنوب كردفان يتجه نحو مرحلة مختلفة، عنوانها الأكبر الانتشار الجغرافي المنظم بدلًا من الاشتباك المتقطع..
وعليه، فإن ما حدث في بابنوسة، وما تبعه في مبسوطة، يساهم في تأسيس ملامح لتشكّل خريطة جديدة للقوة، تتقدم فيها قوات الدعم السريع بثبات، وتعيد ترتيب التوازنات على الأرض بطريقة تفتح آفاقًا لعمليات لاحقة تتجاوز حدود السيطرة التقليدية.