قال مدير المركز الكردي للدراسات نواف خليل، إن "آخر جلسة مفاوضات بين الإدارة الذاتية والسلطات السورية في دمشق كانت إيجابية"، مؤكداً أن "الأكراد لا يسعون إلى ضمانات دولية بقدر حاجتهم لضمانات سورية".
وأوضح خليل، في لقاء خاص لـ"إرم نيوز"، أن اللامركزية، والاعتراف الدستوري، وحلّ قوات سوريا الديمقراطية، من الخطوط الحمراء لدى الأكراد"، مؤكداً أن "الإدارة الذاتية لن تقبل بالعودة إلى ما قبل العام 2011".
وفيما يلي نص الحوار كاملاً:
الحكومة الانتقالية في دمشق ليست لديها رؤية واضحة فيما يتعلق بالعلاقة مع الداخل، ولا مع الخارج، ولا إستراتيجية فيما يتعلق بشكل بناء الدولة أو الجيش.. هي تعتمد على ردود الفعل أو السياسة اليومية.
هذه الحكومة تذهب إلى باكو للقاء الإسرائيليين، فتعتقد أنه بإمكانها أن تتصرف في السويداء كما تشاء؛ وكان ذلك واضحاً من خلال ما كان يكتبه بعض المقربين من الحكومة.. تتحسن العلاقة أو تُرفع بعض العقوبات من قبل الولايات المتحدة فتزداد تشنجاً. يسمع الرئيس الشرع كلمة مديح من المبعوث الأمريكي توماس بارك فيزداد تصلباً مع الإدارة الذاتية.. إذن، دلالة ذلك أنها تفتقد إستراتيجية فيما يتعلق بالإدارة، وعلى المستويات العليا.
هذا كله سيخلق تداعيات كما فعلت الإدارة في مرات عديدة حينما وُقع اتفاق العاشر من آذار، إذ لم يمضِ سوى 3 أيام حتى صدر "الإعلان الدستوري" ناسفاً كل بنود الاتفاق. ورغم عدم صدور أي رد من قائد قوات سوريا الديمقراطية، انتقدت الإدارة الذاتية الإعلان الدستوري، لكن بقيت "قسد" وحتى الإدارة الذاتية مصرة على الحوار.
حينما تم التوقيع على الاتفاقية، كان لافتاً ما ورد في البنود من أن الكل يحتفظ بخصوصياته الاجتماعية والثقافية.. الجميع أسعدهم ذلك، واعتبره أيضاً مقدمة على قبول اللامركزية.
اليوم، بعد تجريم كل مَن يطارد اللامركزية، ربما يكون الحديث عن اللامركزية الإدارية بمثابة مناورة؛ يعني علينا أن نسمّي الأمور بمسمياتها. الإدارة المدنية كانت في العام 1957، وأوقف العمل بها حتى جاء النظام وطرحها العام 2011، فهي ليست مسألة جديدة. النظام أيضاً كان يطرح الإدارة المحلية
بهذه الطريقة لن تُحل الأمور، بل يجب على الحكومة أن تتعاطى بكل القضايا الداخلية بشكل إستراتيجي وربما أكثر من القضايا الإقليمية والدولية، فالمطالبة الكردية في الورقة التي قُدمت أو سابقاً، تتحدث بوضوح عن حكومة سورية ديمقراطية، كل سوريا وليس فقط المنطقة الكردية.
وعليه، حينما تكون هناك دولة ديمقراطية، و ولامركزية في سوريا، واعتراف دستوري بالشعب الكردي، فهذه بداية حل مستدام للقضية الكردية، وبداية ديمقراطية للبلاد.
لم يطالب أي حزب كردي بالاستقلال، لأن الجميع متفق على حل القضية الكردية داخل الحدود السورية الراهنة، بشرط وجود اعتراف سوري. النظام السابق كان يجرّم الكرد بـ"محاولة اقتطاع جزء من أراضي الدولة وإلحاقها بأراضي دولة أخرى".. يعني هذه الدولة الأخرى غير موجودة أساساً.
وسط تجريد الكرد من الجنسية، العام 1962، قبل وصول حزب "البعث"، إلا أنه بعد وصوله إلى السلطة، تم إسكان مواطنين من الرقة وحلب في الأراضي الزراعية، وطُرد الفلاحون الكرد.. رغم كل ذلك، لم يطالب الكرد بالانفصال، بل اتجهوا لخيارهم الإستراتيجي بحل القضية الكردية ضمن الحدود السورية، على أن يكون هناك اعتراف دستوري بالشعب الكردي، وأن تكون الدولة لا مركزية.
ابتداءً من تركيا من المفترض أن مسار السلام بدأ منذ أشهر، ما سينعكس بصورة إيجابية على وضع شمال شرق سوريا، مثل توقف عمليات "سد تشرين"، وكذلك توقف القصف التركي في استهداف البنية التحتية والقيادات السياسية والعسكرية، وحتى على الصعيد الخدمي بدأ حراك في إعادة الإعمار.. وما إلى ذلك.
الآن الأنظار متجهة لأن يكون لتركيا دور إيجابي، ولكن لا أعتقد أن قيادات الإدارة الذاتية السياسية والعسكرية يغيب عن بالها أي تحرك تركي، لأن مسألة حل القضية الكردية لم تصل إلى نهاياتها في تركيا.
تركيا حاولت مع النظام السابق، وعملت مع المجموعات المسلحة الذين لا يزالون لا يحاولون اختراق اتفاق وقف إطلاق النار، كما كل مرة، يعني كانت هناك مقاومة شارك فيها الشباب الكرد، والعرب، والسريان.
من الخطوط الحمراء لدى الأكراد هي أنهم لن يقبلوا إلا باعتراف دستوري بهم، سواء كان ذلك بإدارة ذاتية أو لا مركزية، على أن تكون لهم إرادة ممثلة ليس في المنطقة الشمالية فقط، وإنما سيكون لدمشق كذلك ممثلون في مناطق روجآفا (شمال شرق سوريا)، أولاً. وعدم العودة إلى ما قبل العام 2011 ثانياً. وعدم حلّ قوات سوريا الديمقراطية ثالثاً.
أعتقد أن كلاً من الإدارة الذاتية، ومجلس سوريا الديمقراطية، والأحزاب الكردية، تسعى إلى إقامة أوسع تحالف مع جميع المكونات السورية، وليس مكوناً بحد ذاته، سواء في الداخل أو الخارج.
مَن قال إن الحكومة الجديدة تمثل كل المكون السنّي؟ الصورة التي تقدمها وسائل الإعلام العربية ليست دقيقة؛ سوريا بحاجة إلى تحالف واسع من جميع الذين يرون أن شكل وطريقة الحكم الجديد سيؤديان بالبلاد إلى نتائج كارثية، خاصة إذا ما ظل الحكام الجدد على عقليتهم الراهنة، والتي أشك أنهم سيميلون إلى تغييرها.
هذا الخيار كان مطروحاً على الإدارة ذاتية، ويتم الحديث عنه منذ 10 أعوام، ولكن الوجود الأمريكي تعزز أكثر الآن، في إطار عملية تموضع القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا، وزادت أهميته بعد سقوط النظام، وخروج الإيراني، و"حزب الله"، ومحاربة "داعش"، لأن التنظيم استولى على أسلحة كثيرة من النظام ويتحركون بصورة كبيرة.
"قسد"، أصلاً، لم تعتمد بشكل مطلق على الأمريكي وفقاً لعقيدتهم القتالية، فقوامها نحو 100 ألف مقاتل من الكرد والعرب والسريان والأرمن، مع قوة أمنية وشرطية، ودعم كبير جداً من كافة الفئات في المنطقة الشمالية الشرقية، لاسيما بعدما حصل في الساحل، وأشرفية صحنايا، وجرمانا، والسويداء.
أعتقد أن أكبر ضمانة هم السوريون أنفسهم، فإذا عُقد مؤتمر وطني وتمخضت عنه كتابة عقد اجتماعي واعتراف دستوري بالكرد سيكون ذلك أفضل ضمانة للكرد السوريين في المنطقة الشمالية الشرقية، وكذلك الغربية في عفرين، وحلب، ودمشق، وغيرها. إذن، الكرد بحاجة لضمانات سورية أكثر من الدولية.
وهنا أنا لا أتحدث عن الحكومة الحالية التي تستطيع أيضاً أن تقدم ضمانات، وإنما عن المؤتمر الوطني الذي سيعترف بالكرد دستورياً.
المطلوب، الآن، التهدئة، ووقف التصعيد، ولاسيما الإعلامي، من جانب دمشق ضد الإدارة الذاتية، علماً بأن آخر جلسة مفاوضات في دمشق كانت إيجابية، وتلمسنا رؤى إيجابية، وعودة لإعادة تفعيل القرار 2254، ورغبة بإنهاض سوريا بعيداً عن العقود الوهمية والإبهار البصري.