تدفع أحداث السويداء الدامية نحو وحدة درزية أقوى من كل مراحلها السابقة، كما تطرح بقوة خيار الفيدرالية وربّما الانفصال عن الدولة السورية، في محاكاة لنماذج عربية سابقة، أو قد تجترح نموذجها الخاص.
ويرى مراقبون أن النسيج الدرزي يبدو "في أقوى" مراحله، مع شعور الطائفة بخطر وجودي في سوريا، وهو ما عبّرت عنه المشاهد الغاضبة للدروز في لبنان تفاعلاً مع أحداث السويداء، فيما عبر الحدود السورية المئات من دروز إسرائيل.
والطائفة الدرزية التي نشأت في القرن العاشر الميلادي كفرع من الإسماعيلية، وهي فرع من المذهب الشيعي، يعيش أكثر من نصف أتباعها حول العالم، والبالغ عددهم مليوناً تقريباً، في سوريا.
بينما يعيش معظم الدروز الآخرين في لبنان وإسرائيل، بما في ذلك مرتفعات الجولان التي استولت عليها إسرائيل من سوريا في حرب عام 1967 وضمتها عام 1981، بينما تتواجد النسبة الأقل في الأردن.
ويقول الباحث والمحلل السياسي، علي حمادة، إن "الطائفة الدرزية كانت على الدوام موحدة في كل أماكن تواجها، خصوصاً في سوريا ولبنان والأردن وإسرائيل"، مضيفاً أن أحداث السويداء "لا شك ستعزز هذه الوحدة".
كما يعتقد الكاتب والمحلل السياسي، رجا طلب، أن أحداث السويداء الأخيرة ستؤدي إلى "إجماع درزي" على تبني خيار الفدرالية أو الانفصال، وهو ما سيشجّع حتماً الأقليات الأخرى، مثل العلويين والأكراد.
وفي تصريح لـ "إرم نيوز" يؤكد رجا طلب أن النموذج المطروح لسوريا هو دولة فيدرالية، وأن "الوصفة بدأت تنضج"، وذلك "على عكس ما تروّجه الولايات المتحدة" في إشارة إلى تصريحات المبعوث الأمريكي، توماس بارّاك.
وبعد لقائه مع الرئيس السوري، أحمد الشرع، في دمشق قبل أيام، وعقب اجتماعات لوفدي "قسد" والحكومة، قال باراك إن "الفيدرالية لا تعمل في سوريا".
لكن رجا طلب يذهب إلى أن "واشنطن ومعها تل أبيب، تفضلان تفتيت الدول الكبرى التي يمكن أن تشكل خطراً على إسرائيل"، مشيراً إلى ما حدث في العراق بعد 2003، كما يرى أن إيران بعد الهجوم الأمريكي الإسرائيلي الأخير "ليست بعيدة عن هذا الخطر".
"عملت إسرائيل خلال سبعة أشهر على تغذية نوازع الانفصال، كما يبدو أنها قد نجحت في تأجيج مشاعر العداء بين الدرز والعشائر السنية، وهو ما أدى إلى حادثة كانت شرارة الاقتتال الواسع"، كما يقول رجا طلب.
يعتقد علي حمادة في تصريح لـ "إرم نيوز" أن سوريا تواجه خطراً لا يستهان به، ويؤكد أن "نوازع الانفصال موجودة لكنها ليست محل إجماع داخل المكوّن الدرزي بشكلها التقليدي".
ويذهب إلى أن غالبية الدروز ربما تؤيد "فيدرالية مقنّعة" على غرار ما هو في لبنان، أو "اللامركزية غير المعلنة" التي تراعي تنوّع المكونات الطائفية والدينية وخصوصياتها الثقافية والاجتماعية".
فيما يرى رجا طلب أن سوريا ربما تكون قريبة من النموذج العراقي الذي "تتقاسم فيه الطوائف السلطات"، كما يعيش "تقسيماً ملموساً وإن كان غير مسمى".
ويقول إن "التقسيم في العراق جرى حتى في ظل الحكومة المركزية القوية بزعامة صدام حسين في التسعينيات"، في تأكيده على أن سوريا "المشتتة" الآن "باتت قريبة جداً من التقسيم، وأن الوصفة جاهزة".