تبحث حركة حماس عن "قواعد اشتباك" جديدة مع إسرائيل بعد أكثر من شهر ونصف الشهر من اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعته الحركة مع إسرائيل بوساطة أمريكية ومصرية وقطرية وتركية.
وخلال مدة سريان الاتفاق، أقدمت إسرائيل على تنفيذ عمليات اغتيال نوعية لقادة عسكريين في الحركة، ضمن ما قالت إنه ردٌّ على خروقات ارتكبتها حماس، من بينها عمليات إطلاق نار على جنود إسرائيليين.
وبينما تسعى الحركة لمحاولة عدم الانزلاق لنموذج "حزب الله" في التزام الصمت أمام الخروقات الإسرائيلية، فإنها لا تملك الكثير من الأوراق للضغط بها على إسرائيل بعد أن استنزفت الحرب قدراتها العسكرية على مدار عامين.
وقال المحلل السياسي نزار نزال، إن "حركة حماس تحاول استثمار قرار مجلس الأمن الدولي الأخير، لصالح موقفها، إلا أن خياراتها أصبحت محدودة مقارنة بالمرحلة السابقة التي كانت تراهن فيها على أوراق قوة، مثل احتجاز جنود أحياء وجثامين إسرائيليين".
وأضاف نزال لـ"إرم نيوز": "حماس على ما يبدو، لديها قنوات تواصل غير معلنة مع الولايات المتحدة، وأصبحت تعتمد بشكل كبير على الوعود التي تقدمها واشنطن، لكن الحركة لا تملك المقومات التي تمنع تكرار سيناريو لبنان في غزة، وهو ما تحاول حماس تجنبه بكل الطرق".
وأوضح أن "وجود قادة من حماس في القاهرة ولقاءهم مع رئيس جهاز المخابرات المصري، حسن رشاد، يأتي في هذا السياق، من أجل إطلاع الجانب المصري على تطورات الوضع الميداني والسياسي، وبحث المرحلة الثانية من الاتفاق، التي تتضمن استحقاقات سياسية مهمة بالنسبة للحركة".
وقال نزال إن "إسرائيل تركّز حاليًّا على هدفين إستراتيجيين: نزع سلاح حركة حماس في غزة، ونزع سلاح حزب الله في لبنان، إلى جانب استمرارها في التعامل مع الملف الإيراني كأولوية أمنية".
وأضاف: "حتى لو دخلت إسرائيل المرحلة الثانية، فإن سلاح الجو الإسرائيلي سيواصل عملياته، وهذا جزء من الرؤية الأمريكية، إذ تشترط تسليم السلاح من قبل حماس"، لافتًا إلى أن الخلاف الحالي يتمحور حول الجهة التي يجب تسليم السلاح لها.
وتابع: "الاستهدافات ستستمر، وقواعد الاشتباك لا تزال تميل لصالح الجيش الإسرائيلي، وتحاول الحركة المراوغة سياسيًّا لتأمين موطئ قدم مستقر لها في اليوم التالي للحرب، لكنها في الوقت ذاته تدرك أنها في وضع ضعيف لا يمكّنها من خوض مواجهة عسكرية مباشرة أو الرد على الخروقات الإسرائيلية".
ومن جانبه، قال المحلل السياسي راسم عبيدات إن "إسرائيل تسعى لتطبيق نموذج منع تراكم القوة أو "جز العشب" كما يجري في لبنان، على قطاع غزة، بحيث تستبيح الأراضي اللبنانية والفلسطينية دون وجود حق رد حقيقي، وتستمر في فرض معادلاتها الأمنية والعسكرية".
وأضاف عبيدات لـ"إرم نيوز" حول تغيير قواعد الاشتباك: "إسرائيل لا تهدف حاليًّا إلى شن حرب شاملة أو إعادة احتلال غزة بالكامل، بل تعتمد أسلوب الحرب بطرق أخرى، من خلال تنفيذ اغتيالات نوعية بحق قادة الفصائل، بما يشكّل شكلًا من أشكال التصعيد المحسوب".
وأوضح أن "المعادلة الجديدة التي تسعى إسرائيل لفرضها تشمل لبنان وغزة على حد سواء"، مضيفًا: "إذا لم تُجبر إسرائيل على الالتزام الكامل بالتهدئة، فإن الخروقات ستستمر، والحرب على غزة لن تتوقف فعليًّا".
وذكر أن "حماس في ظل الحصار الخانق وما يعانيه الشعب الفلسطيني من تجويع ممنهج، ستجد نفسها أمام استحقاقات صعبة ومتطلبات عالية".
وأشار إلى أن الحركة حتى الآن تلتزم باتفاق وقف إطلاق النار، لكن إذا استمرت إسرائيل في خرق الاتفاق وحاولت فرض وقائع أمنية جديدة داخل القطاع، فلن يكون أمام حماس سوى التحلل من هذا الاتفاق.
وقال: "الخيارات المتاحة أمام حماس والقيادة الفلسطينية صعبة، لكن كلفة التحلل من الاتفاق، في حال استمرت الحرب الإسرائيلية لتحقيق أهداف فشلت عسكريًّا في تحقيقها، ستكون أقل بكثير من كلفة الاستسلام لتلك الخروقات والسماح بفرض واقع جديد في غزة".
بدوره، قال المحلل السياسي يونس الزريعي إن "خيارات حركة حماس للرد على الخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار في غزة محدودة".
وأضاف الزريعي لـ"إرم نيوز": "لا خيار أمام حماس سوى القبول والامتثال لقرار مجلس الأمن رقم 2803، القائم في جوهره على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة".
وتابع: "استمرار حماس في المراهنة على كسب الوقت أملًا بتحسين الظروف أو الحفاظ على سلطة مدمرة ووهمية، أمر غير واقعي ولا يمكنه إعادة الوضع في غزة إلى ما كان عليه قبل الـ7 من أكتوبر 2023".
وأشار إلى أن وقف الهجمات الإسرائيلية لن يتحقق دون أن ترفع حماس يدها عن القطاع، وتُسلم أمره إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، المدعومة دوليًّا، معتبرًا أن هذا هو الطريق الوحيد نحو التهدئة والاستقرار.