أثار توجه وزارة الهجرة العراقية نحو اعتبار العوائل النازحة في المخيمات مندمجة ومستقرة في المجتمع غضبا سياسيًا وحقوقيًا واسعًا، وسط تحذيرات من انعكاساته على حقوق مئات الآلاف من النازحين.
وقالت وزارة الهجرة، في بيان، إن "اللجنة العليا لإغاثة ودعم النازحين ناقشت اعتبار العوائل الساكنة في المخيمات مندمجة ومستقرة في المجتمع، تمهيدًا لغلق ملف النزوح بشكل نهائي مع نهاية عام 2025".
الخطوة، وفق مختصين، لا تخلو من تعقيدات قانونية وإنسانية، باعتبار أن التوصيف الجديد يعني عمليًا رفع صفة "النازح" عن عشرات آلاف العوائل، ما قد يترتب عليه وقف المساعدات الأممية وتقليص الدعم الحكومي المخصص لهم.
كما سيضعف ذلك فرصهم في المطالبة بتعويضات عن الممتلكات المدمرة أو المستولى عليها، ويجعل مسار العودة إلى مناطقهم الأصلية أكثر غموضًا، خاصة في المناطق التي ما زالت خارج السيطرة الكاملة للدولة أو غير مهيأة سكنيًا وخدميًا.
بدوره، قال المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين، علي جهانكير، إن "الموضوع لا يُعد قرارًا نهائيًا، بل هو نقاش طبيعي داخل اللجنة العليا المسؤولة عن الملف".
وأضاف جهانكير لـ"إرم نيوز"، أن "هذه اللجنة تضم مؤسسات متعددة تراجع الملف بين فترة وأخرى، ونحن ملتزمون ببرنامج حكومي أُقِرّ بإجماع القوى السياسية، ويقضي بإنهاء ملف النزوح".
وأشار إلى أن "جميع الخيارات ما زالت مطروحة، خصوصًا أن المخيمات المتبقية كلها في إقليم كردستان وتقطنها فئات تحتاج إلى ظروف خاصة للعودة".
وأوضح أن "اللجنة شكلت ثلاث لجان فرعية بأوامر ديوانية لدراسة احتياجات العوائل، وستُعتمد توصياتها بما يتناسب مع تطلعات الوزارة"، مؤكدًا أن "التوجه لا ينبغي أن يُستغل سياسيًا".
في المقابل، وصفت النائبة الإيزيدية في البرلمان العراقي، فيان دخيل، هذه التوجهات بأنها "تجاوز خطير للدستور العراقي ومساس مباشر بالحقوق الأساسية للمواطنين".
وقالت دخيل في بيان "إن اللجنة العليا، وبإشراف وزيرة الهجرة، أقدمت على إصدار قرارات غير قانونية، بينها اعتبار العوائل الساكنة في المخيمات مدمجة ومستقرة، في وقت ما زال فيه مئات الآلاف يعيشون في المخيمات محرومين من أبسط مقومات الحياة".
وأضافت أن "هذا القرار يمثل محاولة لفرض واقع ديموغرافي جديد في مناطق النازحين، خصوصًا مناطق الإيزيديين والمسيحيين، ويتناقض مع الدستور والقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف التي تكفل حق العودة الطوعية والآمنة والكريمة بعيدًا عن أي ضغوط".
وبحسب إحصائيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فإن العراق ما زال يواجه أزمة ممتدة، إذ يستضيف أكثر من 300 ألف لاجئ معظمهم سوريون، إضافة إلى أكثر من مليون نازح عراقي داخليًا.
وتشير أرقام المفوضية إلى أن نحو 109 آلاف من هؤلاء فقط يقيمون في 21 مخيمًا داخل إقليم كردستان، فيما يعيش البقية في مدن وقرى خارج المخيمات غالبًا بظروف صعبة.
وتواجه المفوضية نفسها تحديات كبيرة في توفير التمويل اللازم، إذ طلبت 203 ملايين دولار لعام 2024 لكنها لم تتلق إلا 44% من المبلغ، ما يعني تراجع الخدمات الصحية والتعليمية والغذائية المقدمة للنازحين.
فضلاً عن ذلك، لا تزال مناطق عراقية كاملة خالية من سكانها منذ سنوات، أبرزها جرف الصخر في بابل، وعزيز بلد ويثرب والعوجة في صلاح الدين، حيث لم يسمح لسكانها بالعودة لأسباب أمنية أو سياسية، بسبب سيطرة ميليشيات مسلحة تمنع دخول المدنيين.
من جهته، قال الناشط في مجال حقوق الإنسان وسام العبد الله إن "التوجه لغلق ملف النزوح إداريًا قبل توفير حلول حقيقية سيؤدي إلى نتائج عكسية".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "هناك عشرات آلاف الأطفال بلا مدارس منتظمة، وأسر بلا بيوت أو مصادر رزق، وإنهاء الملف بهذه الطريقة يعني رفع الغطاء القانوني عنهم وإلقاءهم في مواجهة مصير مجهول".
وأكد أن "القرار ستكون له انعكاسات خطيرة على المجتمعات الصغيرة مثل الإيزيديين والمسيحيين، حيث ما تزال قراهم مدمرة أو تحت سيطرة جماعات مسلحة"، مشيرًا إلى أن "فرض حلول قسرية سيعمّق الشرخ الاجتماعي ويقوض فرص المصالحة الوطنية".
ويرى مراقبون أن الحكومة العراقية تراهن على أن خطوة "دمج النازحين" تعني طي صفحة معاناة طويلة وتعزيز الاستقرار المجتمعي، إلا أن الاستعجال في إغلاق المخيمات قد يقود إلى موجة نزوح داخلية جديدة إذا لم تُعالَج المعضلات الأمنية والخدمية.