سلّط تقرير تحليلي نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية الضوء على ما وصفته بـ"الحرب الشاملة" التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، والتي تجاوزت حدود المواجهة العسكرية التقليدية لتتحول إلى حملة منهجية تمسّ بجوهر العمل الإنساني وتفاقم معاناة المدنيين بشكل غير مسبوق.
وأكد المؤرخ الفرنسي جان-بيير فيليو، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ساينس بو في باريس، أن هذه الحرب اتّسمت بعسكرة غير مسبوقة للمساعدات الإنسانية، إلى جانب تطبيع ممارسات تُعدّ دوليا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وأشار فيليو إلى أن وصف ما يجري في غزة بـ"الإبادة الجماعية" لم يعد مقتصرا على المنظمات الحقوقية الدولية مثل "أمنيستي"، بل أصبح موضع جدل حاد داخل الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية نفسها، حيث شبّه بعض المتخصصين في تاريخ الهولوكوست ما يحدث بـ"عملية إبادة"، رغم الإقرار بوجود فوارق سياقية.
ويتابع المؤرخ الفرنسي أن إسرائيل، التي لا تزال تُعدّ قوة احتلال وفقا لما تؤكده محكمة العدل الدولية، رغم انسحابها العسكري من غزة عام 2005، مارست خلال السنوات الماضية سياسة حصار خانقة بدأت منذ سيطرة حركة حماس على القطاع عام 2007.
وقد كشفت وثائق عن اعتماد الجيش الإسرائيلي في تلك المرحلة نموذجا غذائيا يحدد عدد السعرات الحرارية المسموح بها يوميا لكل فرد من سكان القطاع، قبل أن يتم سحب هذه الخطط تحت ضغط الانتقادات الدولية.
ويُبرز التقرير أن الحكومة الإسرائيلية استخدمت المساعدات الإنسانية كورقة ضغط سياسية، معتبرةً إياها "رافعة" لإضعاف حماس، دون مراعاة التداعيات الكارثية على السكان المدنيين.
فبينما قدّرت الولايات المتحدة الحاجة اليومية لدخول 600 شاحنة مساعدات إلى غزة لتفادي وقوع كارثة إنسانية، لم تسمح إسرائيل، بحسب الصحيفة، بدخول أكثر من 200 شاحنة خلال الفترة من 20 إلى 22 مايو/أيار الجاري، وهو ما وصفته الأمم المتحدة بأنه "نقطة في بحر"، واعتبرته منظمة "أطباء بلا حدود" مجرد "ستار دخاني".
ويُختتم التقرير بالتحذير من أن الأثر المدمر لهذا الحصار والتصعيد العسكري تجاوز الأرقام الرسمية، إذ بلغ عدد القتلى، بحسب مصادر محلية تحظى بموثوقية لدى الأمم المتحدة، أكثر من 53 ألفا، بينهم 16 ألف طفل، فضلًا عن آلاف الجثث العالقة تحت الأنقاض، والوفيات غير المباشرة الناجمة عن الجوع والمرض وانهيار النظام الصحي.